الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وكل إهاب دبغ فقد طهر) لما كان يتعلق بدباغ الإهاب ثلاث مسائل طهارته، وهي تتعلق بكتاب الصيد والصلاة فيه، وهي تتعلق بكتاب الصلاة والوضوء منه بأن يجعل قربة، وهي تتعلق بالمياه ذكر في بحث المياه لإفادة جواز الوضوء منه بطريق الاستطراد فاندفع بهذا ما قيل إن هذا الوضع ليس لبيان هذه المسألة والإهاب الجلد غير المدبوغ والجمع أهب بضمتين وبفتحتين اسم له، وأما الأديم فهو الجلد المدبوغ وجمعه أدم بفتحتين كذا في المغرب وكذا يسمى صرما وجرابا كذا في النهاية وقوله كل إهاب يتناول كل جلد يحتمل الدباغة لا ما لا يحتمله فلا حاجة إلى استثنائه وبه يندفع ما ذكره الهندي أنه كان ينبغي استثناء جلد الحية فلا يطهر جلد الحية والفأرة به كاللحم، وكذا لا يطهر بالذكاة؛ لأن الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله كذا في التجنيس وفيه إذا أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى، وهي معه جازت صلاته؛ لأنه يتخذ منها الأوتار، وهو كالدباغ وكذلك العقب والعصب وكذا لو دبغ المثانة فجعل فيها لبن جاز ولا يفسد اللبن وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه وقال أبو يوسف في الإملاء إن الكرش لا يطهر؛ لأنه كاللحم. ا هـ. وأما قميص الحية فهو طاهر كذا في السراج الوهاج ثم الدباغ هو ما يمتنع عود الفساد إلى الجلد عند حصول الماء فيه والدباغ على ضربين حقيقي وحكمي فالحقيقي هو أن يدبغ بشيء له قيمة كالشب والقرظ والعفص وقشور الرمان ولحى الشجر والملح، وما أشبه ذلك وضبط بعضهم الشب بالباء الموحدة وذكر الأزهري أن غيره تصحيف وضبطه بعضهم بالثاء المثلثة، وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به ذكره الجوهري في الصحاح وبأيهما كان فالدباغ به جائز، وأما القرظ فهو بالظاء لا بالضاد ورق شجر السلم بفتح السين واللام ومنه أديم مقروظ أي مدبوغ لا لقرظ قالوا والقرظ نبت بنواحي تهامة كذا ذكره النووي في شرح المهذب، وإنما نبهنا عليه لأنه يوجد مصحفا في كثير من كتب الفقه ويقرأ بالضاد والحكمي أن يدبغ بالتشميس والتتريب والإلقاء في الريح لا بمجرد التجفيف والنوعان مستويان في سائر الأحكام إلا في حكم واحد، وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات وبعد الحمي فيه روايتان وسنتكلم على المختارة مع نظائرها إن شاء الله تعالى. (قوله: إلا جلد الخنزير والآدمي) يعني كل إهاب دبغ جاز استعماله شرعا إلا جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد الآدمي لكرامته، وبهذا التقرير اندفع ما قيل إن الاستثناء من الطهارة نجاسة، وهذا في جلد الخنزير مسلم، فإنه لا يطهر بالدباغ وأما جلد الآدمي فقد ذكر في الغاية أنه إذا دبغ طهر ولكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه فكيف يصح هذا الاستثناء وقيل جلد الخنزير والآدمي لا يقبلان الدباغ؛ لأن لهما جلودا مترادفة بعضها فوق بعض، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا كما لا يخفى، وإنما استثنى الجلد ولم يستثن الإهاب مع كونه مناسبا للمستثنى منه، وهو قوله كل إهاب دبغ لما أن الإهاب هو الجلد قبل أن يدبغ فكان مهيأ للدباغ يقال تأهب لكذا إذا تهيأ له، واستعد وجلد الخنزير والآدمي لا يتهيآن للدبغ؛ فلذا استثنى بلفظ الجلد دون الإهاب، وإنما قدم الخنزير على الآدمي في الذكر؛ لأن الموضع موضع إهانة لكونه في بيان النجاسة وتأخير الآدمي في ذلك أكمل فحاصله أن من المشايخ من قال إنما لا يطهر جلد الخنزير بالدباغ؛ لأنه لا يندبغ؛ لأن شعره ينبت من لحمه، ولو تصور دبغه لطهر وقال بعضهم: لا يطهر، وإن اندبغ؛ لأنه محرم العين كذا في معراج الدراية وفي المبسوط روي عن أبي يوسف أنه يطهر بالدباغ، وفي ظاهر الرواية لا يطهر إما؛ لأنه لا يحتمل الدباغ أو؛ لأن عينه نجس. ا هـ. وأما الآدمي فقد قال بعضهم: إن جلده لا يحتمل الدباغة حتى لو قبلها طهر؛ لأنه ليس بنحس العين لكن لا يجوز الانتفاع به ولا يجوز دبغه احتراما له، وعليه إجماع المسلمين كما نقله ابن حزم وقال بعضهم: إن جلده لا يطهر بالدباغة أصلا احتراما له فالقول بعدم طهارة جلده تعظيم له حتى لا يتجرأ أحد على سلخه ودبغه واستعماله ويدخل في عموم قوله كل إهاب جلد الفيل فيطهر بالدباغ خلافا لمحمد في قوله إن الفيل نجس العين وعندهما هو كسائر السباع قال في المبسوط من باب الحدث، وهو الأصح فقد جاء في حديث ثوبان: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى لفاطمة سوارين من عاج» فظهر استعمال الناس العاج من غير نكير فدل على طهارته ا هـ. وأخرج البيهقي: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمشط بمشط من عاج» قال الجوهري: العاج عظم الفيل قال العلامة في فتح القدير هذا الحديث يبطل قول محمد بنجاسة عين الفيل وسيأتي تمامه في عظم الميتات إن شاء الله تعالى ويدخل أيضا في عموم قوله كل إهاب جلد الكلب فيطهر بالدباغ بناء على أنه ليس بنجس العين، وقد اختلف روايات المبسوط فيه فذكر في بيان سؤره أن الصحيح من المذهب عندنا أن عين الكلب نجس إليه يشير محمد في الكتاب بقوله، وليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير ثم قال وبعض مشايخنا يقولون عينه ليس بنجس ويستدلون عليه بطهارة جلده بالدباغ وقال في باب الحدث وجلد الكلب يطهر عندنا بالدباغ خلافا للحسن والشافعي؛ لأن عينه نجس عندهما ولكنا نقول: الانتفاع به مباح حالة الاختيار فلو كان عينه نجسة لما أبيح الانتفاع به. وهذا صريح في مخالفة الأول وذكر أيضا في كتاب الصيد في مسألة بيع الكلب في التعليل قال وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين وذكر في الإيضاح اختلاف الرواية فيه، وفي المبسوط شيخ الإسلام، وأما جلد الكلب فعن أصحابنا فيه روايتان في رواية يطهر بالدبغ وفي رواية لا يطهر، وهو الظاهر من المذهب وذكر في البدائع أن فيه اختلاف المشايخ فمن قال: إنه نجس العين جعله كالخنزير ومن جعله طاهر العين جعله مثل سائر الحيوانات سوى الخنزير والصحيح أنه ليس بنجس العين، وكذا صححه في موضع آخر وقال: إنه أقرب القولين إلى الصواب ولذلك قال مشايخنا فيمن صلى وفي كمه جرو أنه تجوز صلاته وقيد الفقيه أبو جعفر الهندواني الجواز بكونه مشدود الفم ا هـ. ولذا صحح في الهداية طهارة عينه وتبعه شارحوها كالأتقاني والكاكي والسغناقي واختار قاضي خان في الفتاوى نجاسة عينه وفرع عليها فروعا فالحاصل أنه قد اختلف التصحيح فيه والذي يقتضيه عموم ما في المتون كالقدوري والمختار والكنز طهارة عينه ولم يعارضه ما يوجب نجاستها فوجب أحقية تصحيح عدم نجاستها ألا ترى أنه ينتفع به حراسة واصطيادا وقد صرح في عقد الفوائد شرح منظومة ابن وهبان بأن الفتوى على طهارة عينه، وأما ما استدل به في المبسوط من قول محمد وليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير فقد قال في غاية البيان لا نسلم أن نجاسة العين تثبت في الكلب بهذا القدر من الكلام فمن ادعى ذلك، فعليه البيان، ولم يرد نص عن محمد في نجاسة العين، وما أورد من أنه لا يلزم من الانتفاع به طهارة عينه، فإن السرقين ينتفع به إيقادا وتقوية للزارعة مع نجاسة عينه أجاب عنه في النهاية وغيرها بأن هذا الانتفاع بالاستهلاك، وهو جائز في نجس العين كالاقتراب من الخمر للإراقة وقال في القنية: رامزا لمجد الأئمة وقد اختلف في نجاسة الكلب والذي صح عندي من الروايات في النوادر والأمالي أنه نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة ليس بنجس العين ا هـ. ومشى عليه ابن وهبان في منظومته وذكر في عقد الفوائد شرحها وذكر الناطفي عن محمد إذا صلى على جلد كلب أو ذئب قد ذبح جازت صلاته ولا يخفى أن هذه الرواية تفيد عينه عند محمد فيجوز أن يكون عن محمد روايتان ا هـ. وقال القاضي الإسبيجابي: وأما الكلب يحتمل الذكاة والدباغة في ظاهر الرواية خلافا لما روى الحسن ا هـ. فإذا علمت هذا فاعلم أن الجلد لا يطهر بالدباغ على القول بنجاسته، ويطهر به على القول بطهارته، وإذا وقع في بئر واستخرج حيا تنجس الماء كله مطلقا على القول بنجاسته كما لو وقع الخنزير وعلى القول بطهارته لا يتنجس إلا إذا وصل فمه الماء، وإذا ذكي لا يطهر جلده ولا لحمه على القول بالنجاسة كالخنزير ويطهر على القول بالطهارة وإذا صلى، وهو حامل جروا صغيرا لا تصح صلاته على القول بنجاسته مطلقا، وتصح على القول بطهارته إما مطلقا أو بكونه مشدود الفم كما قدمناه عن البدائع وتقييده بكونه جروا صغيرا يظهر أن في الكبير لا تصح مطلقا لما أنه، وإن لم يكن نجس العين فهو متنجس؛ لأن مأواه النجاسات، وقد يقال ينبغي أن لا تصح صلاة من حمل جروا صغيرا اتفاقا أما على القول بنجاسة عينه فظاهر، وأما على القول بطهارة عينه؛ فلأن لحمه نجس بدليل أنهم اتفقوا على أن سؤره نجس لما أنه مختلط بلعابه ولعابه متولد من لحمه، وهو نجس؛ ولهذا قال في التجنيس: نجاسة السؤر دليل نجاسة اللحم، وقال: العلامة في فتح القدير نجاسة سؤره لا تستلزم نجاسة عينه بل تستلزم نجاسة لحمه المتولد من اللعاب ا هـ. وسبب نجاسة لحمه اختلاط الدم المسفوح بأجزائه حالة الحياة مع حرمة أكله كما سنوضحه في بيان الأسآر إن شاء الله تعالى وبهذا التقرير يندفع ما قد يتوهم إشكالا، وهو أن يقال كيف يكون سؤره نجسا على القول بطهارة عينه، فإن هذه غفلة عظيمة عن فهم كلامهم، فإن قولهم بطهارة عينه لا يستلزم طهارة كل جزء منه ولهذا علل في البدائع لنجاسة سؤر الكلب وسائر السباع بأن سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ولحومها نجسة، وقد قالوا إن حرمة الشيء إذا لم تكن للكرامة كحرمة الآدمي ولا لفساد الغذاء كالذباب والتراب ولا للخبث طبعا كالضفدع والسلحفاة ولا للمجاورة كالماء النجس كانت علامة النجاسة أي نجاسة اللحم فثبت بهذا أنه لا خلاف في نجاسة لحمه عندنا، وإنما الخلاف في نجاسة عينه، فظهر بهذا أن الكلب طاهر العين بمعنى طهارة عظمه وشعره وعصبه وما لا يؤكل منه لا بمعنى طهارة لحمه لكن قد أجاب في المحيط فقال: وإن كان فمه مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز؛ لأن ظاهر كل حيوان طاهر ولا يتنجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي، وفي شرح منية المصلي لا يخفى أن هذا على القول بطهارة عينه، وأما على القول بأنه نجس العين فلا لظهور أن الصلاة لا تصح لحامله مطلقا كما في حق حامل الخنزير وإذا دخل الماء فانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده، ولو أصابه ماء المطر لم يفسد؛ لأن في الوجه الأول الماء أصاب الجلد وجلده نجس، وفي الوجه الثاني أصاب شعره وشعره طاهر كذا ذكر الولوالجي وغيره ولا يخفى أن هذا على القول بنجاسة عينه ويستفاد منه أن الشعر طاهر على القول بنجاسة عينه لما ذكر في السراج الوهاج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار ويتفرع عليه ذكر الفرع الذي ذكرناه أما على القول بالطهارة إذا انتفض فأصاب ثوبا لا ينجسه مطلقا سواء أصاب شعره أو جلده، ويدل عليه أن صاحب البدائع ذكر هذا الفرع شاهدا للقول بنجاسة عينه، فقال من جعله نجس العين استدل بما ذكر في العيون عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الكلب إذا وقع في الماء ثم خرج منه إلى آخر ما ذكرناه من التفصيل عن الولوالجي، ويدل عليه أيضا أن صاحب التجنيس ذكر هذا الذي ذكرناه مع التفصيل من جملة مسائل ثم قال بعدها، وهذا المسائل تشير إلى نجاسة عينه، ويدل عليه أيضا ما ذكره في فتح القدير في آخر باب الأنجاس من مسائل شتى بما لفظه وما ذكر في الفتاوى من التجنيس من وضع رجله موضع رجل كلب في الثلج أو الطين ونظائر هذه مبني على رواية نجاسة عين الكلب وليست بالمختارة ا هـ. فقوله ونظائر هذا أراد به مثل المسألة التي ذكرناها عن الولوالجي كما لا يخفى لكن ذكر قاضي خان في فتاويه أن هذه المسألة مفرعة على القول بنجاسة عينه وعلل النجاسة في مسألة ما إذا أصاب الماء جلده بتعليل آخر، وهو أن مأواه النجاسات فاستفيد منه أن الماء إذا أصاب جلده وانتفض، فأصاب الثوب نجسه على القول بطهارة عينه؛ لأنه لما كان مأواه النجاسات صار جلده متنجسا، وعلم مما قررناه أنه لا يدخل في قوله من قال بنجاسة عين الكلب الشعر بخلاف قولهم بنجاسة عين الخنزير، فإنه يدخل فيه شعره أيضا فإذا انتفض الخنزير فأصاب ثوبا نجسه مطلقا سواء أصاب الماء جلده أو شعره كما صرح به في السراج الوهاج وقال الولوالجي أيضا الكلب إذا أخذ عضو إنسان أو ثوبه إن أخذ في حالة الغضب لا يتنجس؛ لأنه يأخذه بالأسنان ولا رطوبة فيها، وإن أخذه في حالة المزاح يتنجس؛ لأنه يأخذه بالأسنان والشفتين وشفتاه رطبة فيتنجس ا هـ. وكذا ذكر غيره وفي القنية رامزا للوبري عضه كلب ولا يرى بللا لا بأس به يعني لا يجب غسله ولا يخفى أن ما في القنية إنما ينظر إلى وجود المقتضي للنجاسة، وهو الريق سواء كان ملاعبا أو غضبانا، وهو الفقه وقد صرح في الملتقط بأنه لا يتنجس ما لم ير البلل سواء كان راضيا أو غضبانا وفي الصيرفية هو المختار وكذا في التتارخانية وواقعات الناطفي وغيرهما كذا في عقد الفوائد وفي خزانة الفتاوى وعلامة الابتلال أن لو أخذه بيده تبتل يده، ولا يخفى أن هذه المسألة على القولين إما على القول بالنجاسة، فظاهر وإما على القول بطهارة عينه؛ فلأن لعابه نجس لتولده من لحم نجس كما قدمناه وفي التجنيس امرأة صلت وفي عنقها قلادة فيها سن كلب أو أسد أو ثعلب فصلاتها تامة؛ لأنه يقع عليها الذكاة وكل ما يقع عليه الذكاة فعظمه لا يكون نجسا بخلاف الآدمي والخنزير ا هـ. وكذا ذكر الولوالجي وذكر في السراج الوهاج معزيا إلى الذخيرة أسنان الكلب طاهرة وأسنان الآدمي نجسة؛ لأن الكلب يقع عليه الذكاة بخلاف الخنزير والآدمي ا هـ. ولا يخفى أن هذا كله على القول بطهارة عينه؛ لأنه علله بكونه يطهر بالذكاة، وأما على القول بنجاسة عينه فلا تعمل فيه الذكاة فتكون أسنانه نجسة كالخنزير وسيأتي الكلام على أسنان الآدمي إن شاء الله تعالى قريبا، وأما إذا أكل من شيء يغسل ثلاثا، ويؤكل كذا في المبتغى بالغين المعجمة، وينبغي أن يكون هذا بالاتفاق كما لا يخفى، ولا يقال ينبغي أن يطهر بالجفاف قياسا على الكلأ إذا تنجس، فإنه يطهر به كما في الخلاصة والخانية؛ لأنا نقول الطهارة في الكلأ بالجفاف حصلت استحسانا بالأثر لكونه في معنى الأرض لاتصاله بها، وما نحن فيه ليس كذلك، وأما بيعه وتمليكه فهو جائز هكذا نقلوا وأطلقوا لكن ينبغي أن يكون هذا على القول بطهارة عينه أما على القول بالنجاسة فهو كالخنزير فبيعه باطل في حق المسلمين كالخنزير لكن المنقول في فتاوى قاضي خان من البيوع أن بيع الكلب المعلم جائز فمفهومه أن غير المعلم لا يجوز بيعه، وفي التجنيس من باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز رجل ذبح كلبه ثم باع لحمه جاز؛ لأن اللحم طاهر بخلاف ما لو ذبح خنزيره ثم باعه. ا هـ. فالظاهر منهما أن هذا الحكم على القول بطهارة عينه وذكر السراج الهندي في شرح الهداية معزيا إلى التجريد أن الكلب لو أتلفه إنسان ضمنه، ويجوز بيعه وتمليكه وفي عمدة المفتي لو استأجر الكلب يجوز والسنور لا يجوز؛ لأن السنور لا يعلم ونقل عن التجريد لو استأجر كلبا معلما أو بازيا ليصيد بهما فلا أجرة له قال لعله لفقد العرف والحاجة إليه. ا هـ. وهذا ما تيسر التكلم عليه في المسائل المتعلقة بالكلب، وهذا البيان إن شاء الله تعالى من خواص هذا الكتاب. ثم اعلم أن في قول المصنف في أصل المسألة دبغ إشارة إلى أنه يستوي أنه يكون الدابغ مسلما أو كافرا أو صبيا أو مجنونا أو امرأة إذا حصل به مقصود الدباغ، فإن دبغه الكافر وغلب على الظن أنهم يدبغون بالسمن النجس، فإنه يغسل كذا في السراج الوهاج وفيه مسألة جلد الميتة بعد الدباغ هل يجوز أكله إذا كان جلد حيوان مأكول اللحم قال بعضهم نعم؛ لأنه طاهر كجلد الشاة المذكاة وقال بعضهم: لا يجوز أكله، وهو الصحيح لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}، وهذا جزء منها: «وقال عليه السلام في شاة ميمونة رضي الله تعالى عنها إنما يحرم من الميتة أكلها مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع»، وأما إذا كان جلد ما لا يؤكل كالحمار، فإنه لا يجوز أكله إجماعا؛ لأن الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة وذكاته لا تبيحه فكذا دباغه. ا هـ. وهذا الذي قدمناه في جلود الميتات كله مذهبنا وللعلماء فيه سبعة مذاهب ذكرها الإمام النووي في شرح المهذب فنقتصر منها على ما اشتهر من المذاهب منها ما ذهب إليه الشافعي أن كل حيوان ينجس بالموت طهر جلده بالدباغ ما عدا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فلا يدخل الآدمي في هذا العموم عنده؛ لأن الصحيح عنده أن الآدمي لا ينجس بالموت فجلده طاهر من غير دبغ لكن لا يجوز استعماله لحرمته وتكريمه ومنها ما ذهب إليه أحمد أنه لا يطهر بالدباغ شيء، وهو رواية عن مالك ومنها ما ذهب إليه مالك أنه يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب وجه قول أحمد قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}، وهو عام في الجلد وغيره وحديث عبد الله بن عكيم قال: «أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهرين لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي: حديث حسن ووجه قول مالك أن الدباغ إنما يؤثر في الظاهر دون الباطن ووجه قول الشافعي ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من رواية ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» وفي صحيح مسلم: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»، وهو حديث حسن صحيح وما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميتة هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا يا رسول الله إنها ميتة قال إنما حرم أكلها» وفي الباب أحاديث أخر ذكرها النووي في شرح المهذب وإنما خرج الكلب والخنزير؛ لأن الحياة أقوى من الدباغ بدليل أنها سبب لطهارة الجملة والدباغ إنما يطهر الجلد فإذا كانت الحياة لا تطهرهما فالدباغ أولى ولنا ما ذكرناه من الأحاديث في دليل الشافعي، وهو كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب إياه وهو قوله تعالى: {أو لحم خنزير فإنه رجس} بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه؛ لأنه صالح لعوده وعند صلاحية كل من المتضايفين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود ضمير ميثاقه في قوله تعالى: {ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين عوده إلى المضاف إليه في قوله تعالى: {واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون} ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في قولك رأيت ابن زيد فكلمته؛ لأن المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول عنه الحديث الثاني فتعين هو مرادا به، وإلا اختل النظم فإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط، وهو بما قلنا كذا قرره العلامة في فتح القدير أخذا من النهاية ومعراج الدراية وفي غاية البيان ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الإلهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم؛ لأن قوله: {فإنه رجس} خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكان تعليل الشيء بنفسه، فهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا؛ لأن نجاسة لحمه عرفت من قوله: {أو لحم خنزير}؛ لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال لحم خنزير نجس، فإن لحمه نجس أما إذا رجع الضمير إلى الخنزير فلا فساد؛ لأنه حينئذ يكون حاصل الكلام لحم خنزير نجس؛ لأن الخنزير نجس يعني أن هذا الجزء من الخنزير نجس؛ لأن كله نجس هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب ا هـ. وتعقبه شارح متأخر بأنه عند التأمل بمعزل عن الصواب، وكيف لا والجري على هذا المنوال مما يسد باب التعليل بالأوصاف المناسبة للأحكام ولا شك أنه لا يلزم من كون الشيء علامة على شيء أن لا يصح التصريح بكون الشيء الثاني علة للشيء الأول بجعل الشارع لما فيه من الوصف المناسب لذلك بل ذلك يصحح التصريح بكونه علة، ولا يلزم منه تعليل الشيء بنفسه قطعا، ولنوضحه فيما نحن بصدده فنقول قوله إنه رجس تعليل للتحريم وكون التحريم لا للتكريم علامة على نجاسة المحرم كما هنا يصحح التصريح بكونه نجسا علة لتحريمه لا أنه يمنع منه، وليس فيه تعليل النجاسة بالنجاسة بل تعليل التحريم الكائن لا للتكريم بوصف مناسب له قائم بالعين المحرمة، وهو القذارة حثا على مكارم الأخلاق والتزام المروءة بمجانبة الأقذار والنزاهة منها ونظيره قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} فقوله: {إنه كان فاحشة ومقتا} تعليل لتحريم نكاح منكوحات الآباء مع أن تحريم نكاحهن علامة على قبحه ممقوتا عند الله تعالى فلم يمنع ذلك من التصريح به علة له ا هـ. وهو كما ترى في غاية الحسن والتحقيق، وأما الجواب عن احتجاج أحمد أما على الآية، فهو أنها عامة خصتها السنة كذا أجاب النووي عنها في شرح المهذب، وأما عن حديث عبد الله بن عكيم فالاضطراب في متنه وسنده يمنع تقديمه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإن الناسخ أي معارض فلا بد من مشاكلته في القوة؛ ولذا قال به أحمد وقال هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه للاضطراب فيه أما في السند فروى عبد الرحمن عن ابن عكيم كما قدمنا وروى أبو داود من جهة خالد الحذاء عن الحكم بن عتبة بالتاء فوق عن عبد الرحمن أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال فدخلوا ووقفت على الباب فخرجوا إلي فأخبروني أن عبد الله بن عكيم أخبرهم: «أنه عليه السلام كتب إلى جهينة» الحديث ففي هذا أنه سمع من الداخلين وهم مجهولون، وأما في المتن ففي رواية بشهر وفي أخرى بأربعين يوما وفي أخرى بثلاثة أيام هذا مع الاختلاف في صحبة ابن عكيم ثم كيف كان لا يوازي حديث ابن عباس الصحيح في جهة من جهات الترجيح ثم لو كان لم يكن قطعيا في معاضته؛ لأن الإهاب اسم لغير المدبوغ وبعده يسمى شنا وأديما وما رواه الطبراني في الأوسط من لفظ هذا الحديث هكذا «كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب» في سنده فضالة بن مفضل مضعف والحق أن حديث ابن عكيم ظاهر في النسخ لولا الاضطراب المذكور، فإن من المعلوم أن أحدا لا ينتفع بجلد الميتة قبل الدباغ؛ لأنه حينئذ مستقذر فلا يتعلق النهي به ظاهرا كذا في فتح القدير وفيه كلام من وجوه الأول أنه ذكر أن الترمذي حسنه وقد قدمناه أيضا والحسن لا اضطراب فيه الثاني أن قوله مع الاختلاف في صحبة ابن عكيم لا يقدح في حجيته؛ لأنه على تقدير كونه ليس صحابيا يكون الحديث مرسلا وأنتم تعملون به الثالث أن قوله الحق أن حديث ابن عكيم ظاهر في النسخ إلخ أخذا من قول الحازمي كما نقله الزيلعي المخرج عنه أنه قال وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ ولكنه كثير الاضطراب غير مسلم؛ لأن أخبارنا مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بدون المدة المذكورة في حديث ابن عكيم على الاختلاف فيها، وبهذا صرح النووي في شرح المهذب ويمكن الجواب عن الأول بما ذكره النووي أن الترمذي إنما حسنه بناء على اجتهاده وقد بين هو وغيره وجه ضعفه وعن الثاني بأن هذا أعني كونه مرسلا صالح لأن يجاب به على مذهب من يرى العمل بالمرسل لا أنه جواب عن حديث ابن عكيم على مقتضى مذهبنا وأما الجواب عن احتجاج مالك، فهو مخالف للنصوص الصحيحة التي قدمناها، فإنها عامة في طهارة الظاهر والباطن وأصرح من ذلك ما رواه البخاري من حديث: «سودة قالت ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، وهو جلدها فمازلنا ننتبذ فيه حتى صار شنا»، وهو حديث صحيح، فإنه استعمل في مائع وهم لا يجيزونه، وإن كانوا يجيزون شرب الماء منه؛ لأن الماء لا يتنجس عندهم إلا بالتغير وأما الجواب عن احتجاج الشافعي إن قلنا بأن الكلب ليس بنجس العين، وإن جلده يطهر بالدباغ، فهو عموم الأحاديث الصحيحة المتقدمة، فإنه يدخل في عمومها الكلب؛ لأن أيا في الحديث نكرة وصفت بصفة عامة فتعم كما عرف في الأصول، وأما الخنزير فإنما خرج عن العموم لعارض ذكرناه، ولقد أنصف النووي حيث قال في شرح المهذب واحتج أصحابنا بأحاديث لا دلالة فيها فتركها " لأني التزمت في خطبة الكتاب الإعراض عن الدلائل الواهية " ا هـ وإن قلنا إن الكلب كالخنزير فلا يحتاج إلى الجواب وقد قدمنا أن الدباغ جائز بكل ما يمنع النتن والفساد، ولو ترابا أو ملحا وقال الشافعي لا يجوز بالشمس والتراب والملح لما رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس في شاة ميمونة قال إنما حرم أكلها أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها، وهو حديث حسن ذكره النووي في شرح المهذب ورواه أبو داود والنسائي في سننهما بمعناه عن ميمونة قال يطهرها الماء والقرظ ولنا ما تقدم من الأحاديث الصحيحة، فإن اسم الدباغ يتناول ما يقع بالتشميس والتتريب فلا يقيد بشيء؛ ولأن المقصود يحصل به فلا معنى لاشتراط غيره وليس الحديث الذي استدل به الشافعي مما يقتضي الاختصاص بل المراد به ما في معناه بالإجماع ولا يختص بما ذكر في الحديث ثم عندنا يجوز بيع الجلد المدبوغ وينتفع به، وهو قول الشافعي في الجديد وجمهور العلماء، وأما بيعه قبل الدباغ فقد نقل النووي في شرح المهذب أن أبا حنيفة يقول بجواز بيعه ورهنه كالثوب النجس، وهو سهو منه، فإن مذهب أبي حنيفة عدم جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ ذكره في المحيط وشرح الطحاوي وكثير من الكتب وفي بعض الكتب ذكر خلافا قال بعضهم: إنه ملحق بالميتة وبعضهم ألحقه بالخمر فالظاهر منه الاتفاق على عدم الجواز. واعلم أن ما طهر جلده بالدباغ طهر بالذكاة لحمه وجلده سواء كان مأكولا أو لا أما طهارة جلده، فهو ظاهر المذهب كما في البدائع وفي النهاية أنه اختيار بعض المشايخ وعند بعضهم إنما يطهر جلده بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسا ا هـ. وأما طهارة لحمه إذا كان غير مأكول فقد اختلف فيه فصحح في البدائع والهداية والتجنيس طهارته وصحح في الأسرار والكفاية والتبيين نجاسته وفي المعراج أنه قول المحققين من أصحابنا وفي الخلاصة هو المختار واختاره قاضي خان، وفي التبيين أنه قول أكثر المشايخ، وأما المصنف فقد اختلف كلامه فصحح في الكافي نجاسته واختار في الكنز في الذبائح طهارته وسنتكلم عليها بدلائلها وبيان ما هو الحق ثمة إن شاء الله تعالى لكن في كثير من الكتب أن الذكاة إنما توجب الطهارة في الجلد واللحم إذا كانت من الأهل في المحل، وهو ما بين اللبة واللحيين، وقد سمى بحيث لو كان مأكولا يحل أكله بتلك الذكاة فذبيحة المجوسي لا توجب الطهارة؛ لأنها إماتة وقد قدمنا عن معراج الدراية معزيا إلى المجتبى أن ذبيحة المجوسي وتارك التسمية عمدا توجب الطهارة على الأصح، وإن لم يكن مأكولا، وكذا نقل صاحب المعراج في هذه المسألة الطهارة عن القنية أيضا هنا وصاحب القنية هو صاحب المجتبى، وهو الإمام الزاهدي المشهور علمه وفقهه ويدل على أن هذا هو الأصح أن صاحب النهاية ذكر هذا الشرط الذي قدمناه بصيغة قيل معزيا إلى فتاوى قاضي خان وفي منية المصلي السنجاب إذا أخرج من دار الحرب وعلم أنه مدبوغ بودك الميتة لا تجوز الصلاة عليه ما لم يغسل، وإن علم أنه مدبوغ بشيء طاهر جاز، وإن لم يغسل، وإن شك فالأفضل أن يغسل. ا هـ. (قوله: وشعر الإنسان والميتة وعظمهما طاهران) إنما ذكرهما في بحث المياه لإفادة أنه إذا وقع في الماء لا ينجسه لطهارته عندنا والأصل أن كل ما لا تحله الحياة من أجزاء الهوية محكوم بطهارته بعد موت ما هي جزؤه كالشعر والريش والمنقار والعظم والعصب والحافر والظلف واللبن والبيض الضعيف القشر والإنفحة لا خلاف بين أصحابنا في ذلك، وإنما الخلاف بينهم في الإنفحة واللبن هل هما متنجسان فقالا نعم لمجاورتهما الغشاء النجس، فإن كانت الإنفحة جامدة تطهر بالغسل، وإلا تعذر طهارتها وقال أبو حنيفة: رحمه الله تعالى ليسا بمتنجسين وعلى قياسهما قالوا في السخلة إذا سقطت من أمها، وهي رطبة فيبست ثم وقعت في الماء لا تنجس؛ لأنها كانت في معدنها كذا في فتح القدير وفي إدخال العصب في المسائل التي لا خلاف فيها نظر فقد صرحوا أن في العصب روايتين وصرح في السراج الوهاج أن الصحيح نجاسته إلا أن صاحب الفتح تبع صاحب البدائع فالتحرير ما في غاية البيان أن أجزاء الميتة لا تخلو إما أن يكون فيها دم أو لا فالأولى كاللحم نجسة والثانية ففي غير الخنزير والآدمي ليست بنجسة إن كانت صلبة كالشعر والعظم بلا خلاف، وأما الإنفحة المائعة واللبن فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما نجس، وأما الآدمي ففيه روايتان في رواية نجسة فلا يجوز بيعها ولا الصلاة معها إذا كانت أكثر من قدر الدرهم وزنا أو عرضا وفي رواية طاهرة لعدم الدم وعدم جواز البيع للكرامة، وأما العصب ففيه روايتان إحداهما أنه طاهر؛ لأنه عظم والأخرى أنه نجس؛ لأن فيه حياة والحس يقع به ا هـ. وأما الخنزير فشعره وعظمه وجميع أجزائه نجسة ورخص في شعره للخرازين للضرورة؛ لأن غيره لا يقوم مقامه عندهم وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه كره لهم ذلك أيضا ولا يجوز بيعه في الروايات كلها، وإن وقع شعره في الماء القليل نجسه عند أبي يوسف وعند محمد لا ينجس، وإن صلى معه جاز عند محمد وعند أبي يوسف لا يجوز إذا كان أكثر من قدر الدراهم واختلفوا في قدر الدرهم قيل وزنا وقيل بسطا كذا في السراج الوهاج وذكر السراج الهندي أن قول أبي يوسف بنجاسته هو ظاهر الرواية وصححه في البدائع ورجحه في الاختيار وفي التجنيس لا بأس ببيع عظام الموتى؛ لأنه لا يحل العظام الموت وليس في العظام دم فلا تنجس فيجوز بيعها إلا بيع عظام الآدمي والخنزير ا هـ. وفي المحيط أن عظم الميتة إذا كان عليه دسومة ووقع في الماء نجسه وفي السراج الوهاج شعر الميتة إنما يكون طاهرا إذا كان محلوقا أو مجزوزا، وإن كان منتوفا، فهو نجس وكذا شعر الآدمي على هذا التفصيل، وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي وظفره روايتان الصحيح منهما الطهارة، وفي النهاية واختلف في السن هل هو عظم أو طرف عصب يابس؛ لأن العظم لا يحدث في الإنسان بعد الولادة وقيل هو عظم وما وقع في الذخيرة وغيرها من أن أسنان الكلب إذا كانت يابسة طاهرة وأسنان الآدمي نجسة بناء على أن الكلب يطهر بالذكاة وما يطهر بها فعظمه طاهر بخلاف الآدمي فضعيف، فإن المصرح به في البدائع والكافي وغيرهما بأن سن الآدمي طاهرة على ظاهر المذهب، وهو الصحيح وعلل له في البدائع بأنه لا دم فيها والمنجس هو الدم؛ ولأنه يستحيل أن تكون طاهرة من الكلب نجسة من الآدمي المكرم إلا أنه لا يجوز بيعها ويحرم الانتفاع بها احتراما للآدمي كما إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة أو عظمه لا يباح تناول الخبز المتخذ من دقيقهما لا لكونه نجسا بل تعظيما له كي لا يصير متناولا من أجزاء الآدمي كذا هذا وكذا ذكر في المبسوط والنهاية والمعراج وعلى هذا ما ذكر في التجنيس رجل قطعت أذنه أو قلعت سنه فأعاد أذنه إلى مكانها أو سنه الساقط إلى مكانها فصلى أو صلى وأذنه أو سنه في كمه يجزيه؛ لأن ما ليس بلحم لا يحله الموت فلا يتنجس بالموت ا هـ. لكن ما ذكره في السن مسلم أما الأذن فقد قال في البدائع ما أبين من الحي من الأجزاء إن كان المبان جزءا فيه دم كاليد والأذن والأنف ونحوها، فهو نجس بالإجماع، وإن لم يكن فيه دم كالشعر والصوف والظفر، فهو طاهر عندنا خلافا للشافعي ا هـ. لكن في فتاوى قاضي خان والخلاصة، ولو قلع إنسان سنه أو قطع أذنه ثم أعادهما إلى مكانهما أو صلى وسنه أو أذنه في كمه تجوز صلاته في ظاهر الرواية ا هـ. فهذا يقوي ما في التجنيس وفي السراج الوهاج وإن قطعت أذنه قال أبو يوسف لا بأس بأن يعيدها إلى مكانها، وعندهما لا يجوز ا هـ. وبما ذكرناه عن الفتاوى يندفع ما ذكر في بعض الحواشي أنه لو صلى، وهو حامل سن غيره أو حامل سن نفسه ولم يضعها في مكانها تفسد صلاته اتفاقا كما لا يخفى، وكذا ذكر في المعراج أنه لو صلى، وهو حامل سن غيره لا يجوز بالاتفاق وفيه من النظر ما علمت وفي الخلاصة وفتاوى قاضي خان والتجنيس والمحيط جلد الإنسان إذا وقع في الماء أو قشره إن كان قليلا مثل ما يتناثر من شقوق الرجل ونحوه لا يفسد الماء، وإن كان كثيرا يعني قدر الظفر يفسد والظفر لا يفسد الماء ا هـ. وعلل له في التجنيس بأن الجلد والقشر من جملة لحم الآدمي والظفر عصب، وهذا كله مذهبنا، وقال الشافعي الكل نجس إلا شعر الآدمي لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}، وهو عام للشعر وغيره ولنا في المعهود فيها حالة الحياة الطهارة، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما يحله ولا تحلها الحياة فلا يحلها الموت، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود لعدم المزيل وفي السنة أيضا ما يدل عليه، وهو قوله عليه السلام في شاة مولاة ميمونة حين مر بها ميتة: «إنما حرم أكلها» في الصحيحين وفي لفظ: «إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها» وفي الباب حديث الدارقطني: «إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها فأما الجلد والشعر والصوف، فلا بأس»، وهو وإن أعله بتضعيف عبد الجبار بن مسلم فقد ذكره ابن حبان في الثقات فهو لا ينزل عن درجة الحسن وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى وضعفهما ومن طريق أخرى بمعناه ضعيفة. وأخرج البيهقي: «أنه عليه السلام كان يتمشط بمشط من عاج» وضعفه فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حسن المتن فكيف ومنها ما لا ينزل عن الحسن وله الشاهد الأول كذا في فتح القدير مختصرا وفي البدائع لأصحابنا طريقان أحدهما أن هذه الأشياء ليست بميتة؛ لأن الميتة من الحيوانات في عرف الشرع اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد أو بصنع غير مشروع ولا حياة في هذه الأشياء، فلا تكون ميتة والثاني أن نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لما فيها من الدماء السائلة والرطوبات النجسة ولم توجد في هذه الأجزاء ا هـ. وقد اقتصر في الهداية على الطريقة الأولى، وفي غاية البيان على الثانية ولا يخفى أن الطريقة المذكورة في الهداية لا تجري في العصب؛ لأن فيه حياة لما فيه من الحركة ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم، فإن قطع قرن البقرة لا يؤلمها فدل أنه ليس في العظم حياة كذا في النهاية؛ ولهذا كان فيه روايتان فالأولى هي الطريقة الثانية وعليها لا يحتاج إلى الجواب عن قوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة}، فإن هذه الأشياء من الميتات إلا أن نجاسة الميتات إنما هي لما فيها من الدماء والرطوبات والعصب صقيل لا يتصور فيه ذلك، وكذا في العظم والشعر، وأما الجواب عن الآية على الطريقة الأولى فمن ثلاثة أوجه: الأول: ما ذكره في الكشاف بقوله ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الموتى نجسة؛ لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها، وأما أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله فهي عندهم طاهرة وكذلك الشعر والعصب ويزعمون أن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت، ويقولون المراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس ا هـ. ولا يتوهم أن صاحب الكشاف لم يرتض ما ذكره عن الحنفية بدليل قوله يزعمون لأن زعم مطية الكذب كما قيل؛ لأنا لا نسلم أن زعم خاص في الباطل بل يستعمل تارة فيه وتارة في الحق فمن الأول قوله تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} ومن الثاني قوله في حديث مسلم: «زعم رسولك أن الله افترض علينا خمس صلوات» صرح به النووي في شرح مسلم وأطال الكلام فيه. الثاني: أن المراد بالعظام النفوس كما في معراج الدراية وحينئذ يعود الضمير في قوله: {وهي رميم} إلى العظام الحقيقية على طريقة الاستخدام؛ لأن من أقسامه كما عرف في علم البديع أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ثم يؤتى بعده بضمير يعود في اللفظ عليه وفي المعنى على معناه الآخر كقول معاوية بن أبي مالك إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا، فإنه أراد بالسماء المطر وأراد بالضمير في رعيناه النبات والنبات أحد معنى السماء؛ لأنه مجاز عنه باعتبار أن المطر سببه وسوغ له عود الضمير إلى النبات، وإن لم يكن تقدم له ذكر لتقدم ذكر سببه، وهو السماء التي أريد بها المطر فكذلك ما نحن فيه، فإن العظام له معنيان أحدهما: مراد، وهو النفوس مجازا من إطلاق البعض وإرادة الكل والمعنى الآخر، وهو العظام الحقيقية غير مراد ثم الضمير في قوله : {وهي رميم} يعود إلى العظام بالمعنى الغير المراد لا بالمعنى المراد وهو النفوس فكان من باب الاستخدام هذا ما ظهر لي الثالث ما ذكره في غاية البيان والعناية أن المراد أصحاب العظام على تقدير مضاف فإن قلت المفهوم من الآية إحياؤها في الآخرة وأحوالها لا تناسب أحوال الدنيا قلنا سوق الكلام صريح في الرد على من أنكر إعادتها في الآخرة إلى ما كانت عليه في الدنيا بعد أن صارت بالية خالية عن استعداد العود إليها في زعمهم، وقد استدل بعض مشايخنا لغير العظم ونحوه بقوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} ووجه الدلالة عموم الآية، فإن الله تعالى من علينا بأن جعل لنا الانتفاع، ولم يخص شعر الميتة من المذكاة فهو عموم إلا أن يمنع منه دليل وأيضا، فإن الأصل كونها طاهرة قبل الموت بإجماع ومن زعم أنه انتقل إلى نجاسة فعليه البيان، فإن قيل حرمت عليكم الميتة وذلك عبارة عن الجملة قلنا نخصه بما ذكرنا، فإنه منصوص عليه في ذكر الصوف، وليس في آيتكم ذكر الصوف صريحا، فكان دليلنا أولى كذا ذكر القرطبي في تفسيره وذكر أن الصوف للغنم والوبر للإبل والشعر للمعز وقد أجاب الأتقاني في غاية البيان أيضا عن استدلالهم بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} بأنا لا نسلم أن المراد منه حرمة الانتفاع فلم لا يجوز أن يكون المراد منه حرمة الأكل بدليل ما رويناه في حديث مولاة ميمونة ولئن قال الشافعي في بعض هذه الأشياء رطوبة فنقول نحن نقول أيضا بنجاسته إذا بقيت الرطوبة وكلامنا فيما إذا لم تبق الرطوبة به في العظم والحافر والظلف ونحوه إذا غسل الشعر ونحوه وأزيل عنه الدم المتصل والرطوبة النجسة ولئن قال الشعر ينمو بنماء الأصل فنقول: نعم ينمو ولكن لا نسلم أن النماء يدل على الحياة الحقيقية كما في النبات والشجر وقوله بنماء الأصل غير مسلم أيضا؛ لأنه قد ينمو مع نقصان الأصل كما إذا هزل الحيوان بسبب مرض فطال شعره ا هـ. وقد وقع في الهداية تعريف الموت بزوال الحياة فقال في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام من باب الأهلية الموت عند أهل السنة أمر وجودي؛ لأنه ضد الحياة لقوله تعالى: {خلق الموت والحياة} وعند المعتزلة هو زوال الحياة، فهو أمر عدمي وتفسير صاحب الهداية بزوال الحياة تفسير بلازمه كذا نقل عن العلامة شمس الأئمة الكردي ا هـ. وهكذا أوله في الكافي وذكر في معراج الدراية أن الموت ضد الحياة والضدان صفتان وجوديتان يتعاقبان على موضوع واحد ويستحيل اجتماعهما، ويجوز ارتفاعهما وزوال الحياة ليس بضد الحياة كما أن زوال السكون ليس بضد السكون فكان هذا تعريفا بلازمه ا هـ. وتعقبه في غاية البيان بأنا لا نسلم أن زوال الحياة ليس بضد لها، وكيف يقال هذا وزوال الحياة مع الحياة لا يجتمعان وليس معنى التضاد إلا هذا ولا نسلم أن زوال الحياة ليس بوجودي فهل لزوال الحياة وجود أم لا، فإن قلت نعم فيكون زوال الحياة وجوديا، وإن قلت لا فيكون حينئذ زوال الحياة حياة، وهو محال؛ لأن عدم زوال الحياة عبارة عن الحياة ا هـ. ولا يخفى ضعفه؛ لأن الموت نفس زوال الحياة لا عدم زوالها ولا يلزم من كون نقيض الشيء عدميا أن يكون عدم عدمه حتى يكون نفي النفي، فيكون إثباتا، وأما جعله زوال الحياة ضدا لها فغير مسلم؛ لأن التضاد الحقيقي هو أن يكون بين الموجودين اللذين يمكن تعقل أحدهما مع الذهول عن الآخر تعاقب على الموضوع ويكون بينهما غاية الخلاف، وهي ما يكون مقتضى كل منهما مغاير المقتضى الآخر كالسواد والبياض، فإن مقتضى أحدهما قبض البصر ومقتضى الثاني تفريقه ولا شك أن زوال الحياة عدمي فلا يكون ضدا لها، وإنما يكون بينهما تقابل العدم والملكة وقد ذكر بعض الأصوليين في شرح المغني أن هذا الفرق إنما هو على اصطلاح أهل المعقول أما على اصطلاح الأصوليين فالضد ما يقابل الشيء ويكون بينهما غاية الخلاف سواء كانا وجوديين أو أحدهما وجودي، والآخر عدمي وقد اختار صاحب الكشاف أن الموت عدمي فقال والحياة ما يصح بوجوده الإحساس وقيل ما يوجب كون الشيء حيا، وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر، والموت عدم ذلك فيه ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه قال الطيبي رحمه الله في حاشيته قوله والموت عدم ذلك فيه الانتصاف لمذهب القدرية أن الموت عدم واعتقاد السنية أنه أمر وجودي ضاد الحياة وكيف يكون عدميا وقد وصف بكونه مخلوقا وعدم الحوادث أزلي، ولو كان المعدوم مخلوقا لزم وقوع الحوادث أزلا، وهو ظاهر البطلان وقال صاحب الفوائد: لو كان الموت عدم الحياة استحال أن يكون مخلوقا وقد قال بعد ذلك معنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه، وهذا أيضا منظور فيه وقال الإمام: هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر واختلفوا في الموت قيل أنه عبارة عن عدم هذه الصفة وقيل صفة وجودية مضادة للحياة لقوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} والعدم لا يكون مخلوقا هذا هو التحقيق إلى هنا كلام الطيبي رحمه الله تعالى وقال الإمام القرطبي في تفسيره قال العلماء رضي الله عنهم الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار والحياة عكس ذلك ونقل أقوالا فيهما لا نطيل بذكرها. والحاصل أن مذهب أهل السنة أن الموت أمر وجودي كالحياة ومذهب المعتزلة كما في الكشف أو القدرية كما في الحاشية أنه عدمي وعلى كل منهما لا نزاع في أن الموت يكون بعد الحياة إذ ما لم يسبق له حياة لا يوصف بالموت حقيقة في اللغة والعرف؛ ولهذا قال السيد الشريف في شرح المواقف بعد تفسير الموت بعدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا: والأظهر أن يقال عدم الحياة عما اتفق لها ا هـ. لكن قد يقال يحتاج حينئذ إلى الجواب عن قوله تعالى: {وكنتم أمواتا فأحياكم} وفي الكشاف، فإن قلت كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جمادا، وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من الشيء قلت بل يقال ذلك في حال كونهم جمادا لعادم الحياة كقوله: {بلدة ميتا} : {وآية لهم الأرض الميتة} : {أموات غير أحياء} ويجوز أن يكون استعارة في اجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس ا هـ. وقرر القطب في حاشيته الاستعارة بأن يشبه الجماد بالميت في عدم الروح ثم استعير اللفظ والله أعلم (تتمة) نافجة المسك طاهرة مطلقا على الأصح. (قوله: وتنزح البئر بوقوع نجس) لما ذكر حكم الماء القليل بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق كله ورد عليه ماء البئر نقضا في أنه لا ينزح كله في بعض الصور، فذكر أحكامه قال الشارحون: ومنهم المصنف في المستصفى أن المراد بنزح البئر نزح مائها إطلاقا لاسم المحل على الحال كقولهم جرى الميزاب وسال الوادي وأكل القدر والمراد ما حل فيها للمبالغة في إخراج جميع الماء والمراد بالبئر هنا هي التي لم تكن عشرا في عشر أما إذا كانت عشرا في عشر لا تنجس بوقوع نجس إلا بالتغير كما يفيده ما سنذكره والمراد بالنجس هنا هو الذي ليس حيوانا كالدم والبول والخمر، وأما أحكام الحيوان الواقع فيها فسنذكرها مفصلة وبهذا يظهر ضعف ما في التبيين من أن المصنف أطلق ولم يقدر بشيء؛ لأنه لم يعين ما وقع فيها من النجاسة فأي نجس وقع فيها يوجب نزحها، وإنما ينجس ماء البئر كله بقليل النجاسة؛ لأن البئر عندنا بمنزلة الحوض الصغير تفسد بما يفسد به الحوض الصغير إلا أن يكون عشرا في عشر كذا في فتاوى قاضي خان في التفاريق عن أبي حنيفة وأبي يوسف البئر لا تنجس كالماء الجاري البئر إذا لم تكن عريضة، وكان عمق مائها عشرة أذرع فصاعدا فوقعت النجاسة فيها لا يحكم بنجاستها في أصح الأقاويل ا هـ. وعزاه في القنية إلى شرح صدر القضاة وذكر ابن وهبان أنه مخالف لما أطلقه جمهور الأصحاب كذا في شرح منية المصلي ولا يخفى أن هذا التصحيح لو ثبت لانهدمت مسائل أصحابنا المذكورة في كتبهم وقد عللوا بأن البئر لما وجب إخراج النجاسة منها ولا يمكن إخراجها منها إلا بنزح كل مائها وجب نزحه لتخرج النجاسة معه حقيقية لكن قال في السراج الوهاج، ولو وقعت في البئر خشبة نجسة أو قطعة من ثوب نجس وتعذر إخراجها وتغيبت فيها طهرت الخشبة والقطعة من الثوب تبعا لطهارة البئر وعزاه إلى الفتاوى وفي المجتبى ومعراج الدراية ونزحه أن يقل حتى لا يمتلئ الدلو منه أو أكثره ا هـ. أي ونزح ماء البئر لكن هذا إنما يستقيم فيما إذا كانت البئر معينا لا تنزح وأخرج منها المقدار المعروف أما إذا كانت غير معين،، فإنه لا بد من إخراجها لوجوب نزح جميع الماء ثم البئر مؤنثة مهموزة ويجوز تخفيف همزها، وهي مشتقة من بأرت أي حفرت وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر وينقل فيقول آبار وجمعها في الكثرة بآر بكسر الباء بعدها همزة كذا ذكر النووي في شرح مسلم من كتاب الإيمان والإسلام. واعلم أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس فإن القياس فيها إما أن لا تطهر أصلا كما قال بشر لعدم الإمكان لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران والماء ينبع شيئا فشيئا وإما أن لا تتنجس إسقاطا الحكم لحم النجاسة حيث تعذر الاحتراز أو التطهير كما نقل عن محمد أنه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أن ماء البئر في حكم الجاري؛ لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا يتنجس كحوض الحمام قلنا وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار ومن الطريق أن يكون الإنسان في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كالأعمى في يد القائد كذا في فتح القدير وغيره من الشروح وفي البدائع بعدما ذكر القياسين قال إلا أنا تركنا القياسين الظاهرين بالخبر والأثر وضرب من الفقه الخفي أما الخبر فما روى أبو جعفر الأسروشني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون وفي رواية ثلاثون» وعن أبي سعيد الخدري أنه: «قال في دجاجة ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا» وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما أمرا بنزح جميع ماء زمزم حين مات فيها زنجي، وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الإجماع عليه، وأما الفقه الخفي فهو أن في هذه الأشياء دما مسفوحا وقد تشرب في أجزائها عند الموت فنجسها وقد جاور هذه الأشياء و الماء يتنجس أو يفسد بمجاورة النجس؛ لأن الأصل أن ما جاور النجس نجس بالشرع «قال صلى الله عليه وسلم في الفأرة تموت في السمن الجامد يقور ما حولها ويلقى وتؤكل البقية» فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة جار النجس وفي الفأرة ونحوها وما يجاورها من الماء مقدار ما قدره أصحابنا، وهو عشرون دلوا أو ثلاثون لصغر جثتها فحكم بنجاسة هذا القدر من الماء لأن ما وراء هذا القدر لم يجاور الفأرة بل جاورها ما جاور الفأرة والشرع ورد بتنجيس جار الخبث لا بتنجيس جار جار النجس ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بطهارة جار السمن الذي جاور الفأرة وحكم بنجاسة ما جاور الفأرة، وهذا؛ لأن جار جار النجس لو حكم بنجاسته لحكم أيضا بنجاسة ما جاور جار النجس ثم هكذا إلى ما لا نهاية له فيؤدي إلى أن قطرة من بول أو فأرة لو وقعت في بحر عظيم أن يتنجس جميع مائه لاتصال بين أجزائه وذلك فاسد وفي الدجاجة والسنور وأشباه ذلك المجاورة أكثر لزيادة ضخامة في جثتها فقدر بنجاسة ذلك القدر والآدمي وما كان جثته مثل جثته كالشاة ونحوها مجاور جميع الماء في العادة لعظم جثته فيوجب تنجيس جميع الماء وكذا إذا تفسخ شيء من هذه الواقعات أو انتفخ؛ لأن عند ذلك تخرج البلة منها الرخاوة فيها فتجاور جميع أجزاء الماء وقبل ذلك لا يجاور إلا قدر ما ذكرنا لصلابة فيها ولهذا قال محمد إذا وقع في البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء؛ لأن موضع القطع لا ينفك عن بلة فيجاور أجزاء الماء فيفسدها. ا هـ. وهذا تقرير حسن لو لم يكن مخالفا لعامة كتب أصحابنا، فإنها مصرحة بأن مسائل الآبار ليس للرأي فيها مدخل وما ذكره خلافه كذا تعقبه شارح المنية والذي ظهر لي أن ما ذكره في البدائع لا يخالف ما صرحوا به؛ لأنه ذكر أن هذا معنى خفي فقهي لا قياس جلي ولا يكون من قبيل الرأي إلا القياس الجلي وأما القياس الخفي فهو المسمى بالاستحسان قال في التوضيح القياس جلي وخفي فالخفي يسمى بالاستحسان لكنه أعم من القياس الخفي، فإن كل قياس خفي استحسان وليس كل استحسان قياسا خفيا؛ لأن الاستحسان قد يطلق على غير القياس الخفي أيضا لكن الغالب في كتب أصحابنا أنه إذا ذكر الاستحسان أريد به القياس الخفي، وهو دليل يقابل القياس الجلي الذي يسبق إليه الأفهام، وهو حجة عندنا؛ لأن ثبوته بالدلائل التي هي حجة إجماعا؛ لأنه إما بالأثر كالسلم والإجارة وبقاء الصوم في النسيان وإما بالإجماع كالاستصناع وإما بالضرورة كطهارة الحياض والآبار، وإما بالقياس الخفي إلى آخر ما ذكر في أصول الفقه، وكذا في كثير من كتب الأصول فظهر بهذا أن طهارة الآبار بالنزح إنما ثبتت بالقياس الخفي الذي ثبت بالضرورة. (قوله: لا ببعرتي إبل وغنم) أي لا ينزح ماء البئر بوقوع بعرتي إبل وغنم فيها، وهذا استحسان والقياس أن يتنجس الماء مطلقا لوقوع النجاسة في الماء القليل كالإناء وذكر للاستحسان طريقتان الأولى واختارها صاحب الهداية مقتصرا عليها أن آبار الفلوات ليس لها رءوس حاجزة والمواشي تبعر حولها ويلقيها الريح فيها فجعل القليل عفوا للضرورة ولا ضرورة في الكثير ولا فرق على هذا بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، والروث والبعر والخثى؛ لأن الضرورة تشمل الكل وقد صرح في غاية البيان بأنه ظاهر الرواية ويعارض ما ذكره السرخسي أو الروث والمفتت من البعر مفسد في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن قليله عفو قال: وهو الأوجه وظاهر هذه الطريقة أن هذا الحكم مختص بآبار الفلوات، وأما الآبار التي في المصر فتنجس بالقليل منه؛ لأن لها رءوسا حاجزة فيقع الأمن عن الوقوع فيها، وقد صرح به في البدائع تكن في غاية البيان ذكر أنه لا فرق بينهما على هذه الطريقة فقال واختلف المشايخ في البئر إذا كانت في المصر والصحيح عدم الفرق لشمول الضرورة في الجملة ا هـ. فاعتبر الضرورة في الجملة وكذا في التبيين والطريقة الثانية أن لليابس صلابة فلا يختلط شيء من أجزائه بأجزاء الماء فهذه تقتضي أن الرطب والمنكسر والروث والخثى ينجس الماء وظاهرها عدم الفرق بين آبار الفلوات والأمصار كما هو مذكور في البدائع، وكذا ظاهرها أن الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس كالقليل وبه قال الحسن بن زياد لكن الصحيح أن الكثير ينجس الإناء وماء البئر على الطريقتين أما على الأولى فلما بينا أنه لا ضرورة في الكثير وأما على الثانية؛ فلأنها إذا كثرت تقع المماسة بينها فيصطك البعض بالبعض فتتفتت أجزاؤها فتتنجس إليه أشار في البدائع وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين البئر والإناء في عدم التنجس بالقليل وعلى الطريقة الأولى بينهما فرق لأن الضرورة في البئر لا في الإناء كذا في الكافي بخلاف بعر الشاة إذا وقع منها في الحلب وقت الحلب، فإنه ترمى البعرة ويشرب اللبن على الطريقتين أما على الثانية فظاهر، وأما على الأولى فلمكان الضرورة كذا في الهداية وقيده في النهاية وغاية البيان والمعراج بكونها رميت على الفور ولم يبق لونها على اللبن وكذا في فتح القدير معللا له بأن الضرورة تتحقق في نفس الوقوع؛ لأنها تبعر عند الحلب عادة لا فيما وراءه وذلك بمرأى منه واختلفوا في حد الكثير على أقوال صحح منها قولان في النهاية أنه ما لا يخلو دلو عن بعرة وعزاه إلى المبسوط وصحح في البدائع والكافي للمصنف وكثير من الكتب أن الكثير ما يستكثره الناظر والقليل ما يستقله وفي معراج الدراية هو المختار وفي الهداية وعليه الاعتماد قال في العناية، وإنما قال وعليه الاعتماد؛ لأن أبا حنيفة لا يقدر شيئا بالرأي في مثل هذه المسائل التي تحتاج إلى التقدير فكان هذا موافقا لمذهبه ا هـ. فظهر بهذا أن ما ذكره في المتن من أن البعرتين لا ينجسان للإشارة إلى أن الثلاث تنجس إنما هو على قول ضعيف مبني على ما وقع في الجامع الصغير من قوله، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان لم يفسد الماء فدل على أن الثلاث تفسد بناء على أن مفهوم العدد في الرواية معتبر، وإن لم يكن معتبرا في الدلائل عندنا على الصحيح وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر محمد في الجامع الصغير على هذه العبارة و لكنه لم يقتصر عليها، فإنه قال إذا وقعت بعرة أو بعرتان في البئر لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا والثلاث ليس بكثير فاحش كذا نقل عبارة الجامع في المحيط وغيره، ولو جعل قائل الحد الفاصل بين القليل والكثير أن ما غير أحد أوصاف الماء كان كثيرا وما لم يغيره يكون قليلا لكان له وجه كذا في شرح منية المصلي وبعد يبعر من حد منع والروث للفرس والحمار من راث يقال من حد نصر والخثى بكسر الخاء واحد الأخثاء للبقر يقال من باب ضرب كذا في فتح القدير وغيره. (قوله: وخرء حمام وعصفور) أي لا ينزح ماء البئر بوقوع خرء حمام وعصفور فيها والخرء بالفتح واحد الخروء بالضم مثل قرء وقروء وعن الجوهري أنه بالضم كجند وجنود والواو بعد الراء غلط كذا في المغرب، وإنما لا ينزح ماؤها منه؛ لأنه ليس بنجس عندنا على ما اختاره في الهداية وكثير من الكتب وذكر في النهاية ومعراج الدراية اختلاف المشايخ في نجاسته وطهارته مع اتفاقهم على سقوط النجاسة لكن عند البعض السقوط من الأصل للطهارة وعند آخرين للضرورة ا هـ. ولم يذكرا فائدة هذا الاختلاف وقال الشافعي نجس، وهو القياس؛ لأنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج ولنا الإجماع العملي، فإنها في المسجد الحرام مقيمة من غير نكير من أحد من العلماء مع العلم بما يكون منها مع ورود الأمر بتطهير المساجد فيما رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وأبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» «وعن سمرة رضي الله عنه أنه كتب إلى بنيه أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نضع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها» رواه أبو داود وسكت عليه ثم المنذري بعده كذا ذكره الحافظ الزيلعي. وروى أبو أمامة الباهلي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم شكر الحمامة فقال: إنها أوكرت على باب الغار فجزاها الله تعالى بأن جعل المساجد مأواها» فهذا دليل طهارة خرئها وعن ابن مسعود أنه خرأت عليه حمامة فمسحها بإصبعه وكذلك عمر رضي الله عنه زرق عليه طير فمسحه بحصاة ثم صلى كذا في معراج الدراية والنهاية وأما ذكره من الاستحالة فهي لا إلى نتن رائحة فأشبه الطين الذي في قعر البئر، فإن فيه الفساد أيضا وليس بنجس؛ لأنه لا إلى نتن رائحة ويشكل هذا بالمني على قوله قال في النهاية ثم الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة لا محالة، فإن سائر الأطعمة إذا فسدت لا تنجس به؛ لأن التغير إلى الفساد لا يوجب النجاسة ا هـ. وبهذا يعلم ضعف ما ذكره في الخزانة من أن الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس، وإن حمل ما في النهاية على ما إذا لم يشتد تغيره ليجمع بينهما فهو بعيد والظاهر ما في النهاية؛ لأنه لا موجب لتنجيسه، وإنما حرم أكله في هذه الحالة للإيذاء كاللحم إذا أنتن قالوا يحرم أكله ولم يقولوا تنجس بخلاف السمن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن لا يحرم والأشربة لا تحرم بالتغير كذا في الخزانة وأشار المصنف رحمه الله بقوله خرء حمام وعصفور إلى خرء ما يؤكل لحمه من الطيور احترازا عما لا يؤكل لحمه منها، فإن خرأه نجس وسنذكره صريحا في باب الأنجاس والصحيح أنه طاهر كخرء مأكول اللحم منها ذكره في المبسوط وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير نجاسته وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب الأنجاس. (قوله: وبول ما يؤكل نجس) إنما ذكرها هنا، وإن كان محلها باب الأنجاس لبيان أنه إذا وقع في البئر نجس ماءها، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد رحمه الله طاهر فلا ينزح الماء من وقوعه إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا لما رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أنس: «أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة ويشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة يعضون الحجارة» وفي رواية مسلم: «وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا» وفي رواية متفق عليها أنهم ثمانية كذا في فتح القدير وعرنة واد بحذاء عرفات وبتصغيرها سميت عرينة، وهي قبيلة ينسب إليها العرنيون، وإنما سقطت ياء التصغير عند النسبة لما أن ياء فعيلة وفعيلة يسقطان عند النسبة قياسا مطردا فيقال حنفي ومدني وجهني وعقلي في حنيفة ومدينة وجهينة وعقيلة كذا في المغرب وغيره وقوله اجتووها هو بالجيم والمثناة فوق ومعناه استوخموها كما فسرها في الرواية الأخرى أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم قالوا، وهو مشتق من الجوى، وهو داء في الجوف ومعنى سمر أعينهم بالراء كحلها بمسامير وفي بعض الروايات سمل باللام بمعنى فقأها وأذهب ما فيها كذا ذكر النووي في شرح مسلم من القصاص ولهما قوله صلى الله عليه وسلم: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة كذا ذكره الزيلعي المخرج وفي معراج الدراية وفي بعض نسخ الأحاديث عن مكان من وفي المغرب، وأما قولهم استنزهوا البول لحن وفي معراج الدراية وجه مناسبة عذاب القبر مع ترك استنزاه البول هو أن القبر أول منزلة من منازل الآخرة والاستنزاه أول منزل من منازل الطهارة والصلاة أول ما يحاسب به المرء يوم القيامة فكانت الطهارة أول ما يعذب بتركها في أول منزل من منازل الآخرة وفي غاية البيان وجه التمسك به أن البول يشمل كل بول بعمومه وقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم وعيد عذاب القبر بترك استنزاه البول من غير فصل فدل على أن بول ما يؤكل لحمه نجس؛ لأن الحلال لا يتحقق بمباشرته وعيد ا هـ. وأجاب في الهداية عن حديث العرنيين بأنه عليه السلام عرف شفاءهم فيه وحيا وزاد شارحوها كالأتقاني والكاكي جوابا آخر بأن ذلك كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد أن نزلت الحدود ألا ترى «أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم حين ارتدوا واستاقوا الإبل» وليس جزاء المرتد إلا القتل فعلم أن إباحة البول انتسخت كالمثلة ا هـ. وذكر الأصوليون منا أن العام قبل الخصوص يوجب الحكم فيما تناوله قطعا كالخاص حتى يجوز نسخ الخاص بالعام عندنا كحديث العرنيين ورد في أبوال الإبل، وهو خاص نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: «استنزهوا من البول»؛ لأن البول عام؛ لأن اللام فيه للجنس في ضمن المشخصات فيحمل على جميعها إذ لا عهد وحديث العرنيين متقدم؛ لأن المثلة التي تضمنتها منسوخة بالاتفاق؛ لأنها كانت في ابتداء الإسلام. ا هـ. وهذا كله مبني على أن قصة العرنيين تضمنت مثلة وقد صرح به في الهداية من كتاب الجهاد فقال والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر وأراد بالنهي المتأخر ما ذكره البيهقي عن أنس قال: «ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك خطبة إلا نهى فيها عن المثلة» وقد أنكر بعضهم كون الواقع في قصتهم كما روى ابن سعد في خبرهم أنهم قطعوا يد الراعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى مات فليس هذا بمثلة والمثلة ما كان ابتداء على غير جزاء وقد جاء في صحيح مسلم إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاء وسيأتي بقيته في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى وأما ما أجاب به قاضي خان في شرح الجامع الصغير وتبعه عليه صاحب معراج الدراية من أن الصحيح أنه أمرهم بشرب الألبان يعني دون الأبوال فلا يخفى ضعفه لما علمت أن رواية شرب الأبوال ثابتة في الكتب الستة والله الموفق للصواب. (قوله: ما لم يكن حدثا) عطف على بول أي ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، وهذا عند أبي يوسف فالدم الذي لم يسل كما إذا أخذ بقطنة، ولو كان كثيرا في نفسه والقيء القليل إذا وقع في الماء لا ينجسه وكذا إذا أصاب شيئا وقال محمد أنه نجس كذا في كثير من الكتب وظاهر ما في شرح الوقاية أن ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة أنه ليس بنجس وعند محمد في غير رواية الأصول أنه نجس؛ لأنه لا أثر للسيلان في النجاسة فإذا كان السائل نجسا فغير السائل يكون كذلك ولنا قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} إلى قوله: {أو دما مسفوحا} فغير المسفوح لا يكون محرما فلا يكون نجسا والدم الذي لم يسل عن رأس الجرح دم غير مسفوح فلا يكون نجسا فإن قيل هذا فيما يؤكل لحمه أما فيما لا يؤكل كالآدمي فغير المسفوح حرام أيضا فلا يمكن الاستدلال بحله على طهارته قلت لما حكم بحرمة المسفوح بقي غير المسفوح على أصله، وهو الحل ويلزم منه الطهارة سواء كان فيما يؤكل لحمه أو لإطلاق النص ثم حرمة غير المسفوح في الآدمي بناء على حرمة لحمه وحرمة لحمه لا توجب نجاسته إذ هذه الحرمة للكرامة لا للنجاسة فغير المسفوح في الآدمي يكون على طهارته الأصلية مع كونه محرما والفرق بين المسفوح وغيره مبني على حكمة غامضة، وهي أن غير المسفوح دم انتقل عن العروق وانفصل عن النجاسات وحصل له هضم آخر في الأعضاء وصار مستعدا لأن يصير عضوا فأخذ طبيعة العضو فأعطاه الشرع حكمه بخلاف دم العروق فإذا سأل عن رأس الجرح علم أنه دم انتقل من العروق في هذه الساعة، وهو الدم النجس أما إذا لم يسل علم أنه دم العضو هذا في الدم أما في القيء فالقليل هو الماء الذي كان في أعالي المعدة، وهي ليست محل النجاسة فحكمه حكم الريق كذا في شرح الوقاية، وكان الإسكاف والهندواني يفتيان بقول محمد وصحح صاحب الهداية وغيره قول أبي يوسف وقال في العناية قول أبي يوسف أرفق خصوصا في حق أصحاب القروح وفي فتح القدير أن الوجه يساعده؛ لأنه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وأن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا وإلا لم يحصل للإنسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا شرعا لم يعتبر نجسا ا هـ. وذكر في السراج الوهاج أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما إذا أصاب الجامدات كالثياب والأبدان وعلى قول محمد فيما إذا أصاب المائعات كالماء وغيره ا هـ. وفي معراج الدراية ثم قوله ما لا يكون حدثا إلى آخره لا ينعكس فلا يقال ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا، فإن النوم والجنون والإغماء وغيرها حدث وليست بنجسة ا هـ. لكن قد يقال إنه مطرد منعكس؛ لأن المراد ما يخرج من بدن الإنسان وليس بحدث لا يكون نجسا وكذا ما يخرج من البدن وليس بنجس لا يكون حدثا، وأما النوم ونحوه فلم يدخل في العكس في قولنا ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا؛ لأنه ليس بخارج من بدن الإنسان. (قوله: ولا يشرب أصلا) أي بول ما يؤكل لحمه لا يشرب أصلا لا للتداوي ولا لغيره، وهذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يجوز للتداوي؛ لأنه لما ورد الحديث به في قصة العرنيين جاز التداوي به، وإن كان نجسا وقال محمد يجوز شربه مطلقا للتداوي وغيره لطهارته عنده ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله أنه نجس والتداوي بالطاهر المحرم كلبن الأتان فلا يجوز فما ظنك بالنجس؛ ولأن الحرمة ثابتة فلا يعرض عنها إلا بتيقن الشفاء وتأويل ما روي في قصة العرنيين أنه عليه السلام عرف شفاءهم فيه وحيا ولم يوجد تيقن شفاء غيرهم؛ لأن المرجع فيه الأطباء وقولهم ليس بحجة قطعية وجاز أن يكون شفاء قوم دون قوم لاختلاف الأمزجة حتى لو تعين الحرام مدفعا للهلاك الآن يحل كالميتة والخمر عند الضرورة؛ ولأنه عليه السلام علم موتهم مرتدين وحيا ولا يبعد أن يكون شفاء الكافرين في نجس دون المؤمنين بدليل قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين} وبدليل ما روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: «أنه عليه السلام قال إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» فاستفيد من كاف الخطاب أن الحكم مختص بالمؤمنين هذا وقد وقع الاختلاف بين مشايخنا في التداوي بالمحرم ففي النهاية عن الذخيرة الاستشفاء بالحرام يجوز إذا علم أن فيه شفاء ولم يعلم دواء آخر ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان معزيا إلى نصر بن سلام معنى قوله عليه السلام: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» إنما قال ذلك في الأشياء التي لا يكون فيها شفاء فأما إذا كان فيها شفاء فلا بأس به ألا ترى أن العطشان يحل له شرب الخمر للضرورة ا هـ. وكذا اختار صاحب الهداية في التجنيس فقال إذا سال الدم من أنف إنسان يكتب فاتحة الكتاب بالدم على جبهته وأنفه ويجوز ذلك للاستشفاء والمعالجة، ولو كتب بالبول إن علم أن فيه شفاء لا بأس بذلك لكن لم ينقل، وهذا؛ لأن الحرمة ساقطة عند الاستشفاء ألا ترى أن العطشان يجوز له شرب الخمر والجائع يحل له أكل الميتة. ا هـ. وسيأتي لهذا زيادة بيان في باب الكراهية إن شاء الله تعالى قال في التبيين وقول محمد مشكل؛ لأن كثيرا من الطاهر لا يجوز شربه وقول أبي يوسف أشد إشكالا ا هـ. وقد يقال إنه لا إشكال فيه أصلا؛ لأنه قال بنجاسته عملا بحديث: «استنزهوا من البول» وقال بجواز شربه للتداوي عملا بحديث العرنيين. (قوله: وعشرون دلوا وسطا بموت نحو فأرة) قال في التبيين أي ينزح عشرون إذا ماتت فيها فأرة ونحوها وقوله عشرون معطوف على البئر وفيه إشكال، وهو أنه يصير معناه تنزح البئر وعشرون دلوا وأربعون وكله فيفسد المعنى؛ لأنه يقتضي نزح البئر وعشرين دلوا وليس هذا بمراد، وإنما المراد أن تنزح البئر إذا وقع فيها نجس ثم ذلك النجس ينقسم إلى ثلاثة أقسام منه ما يوجب نزح عشرين ومنه ما يوجب نزح أربعين ومنه ما يوجب نزح الجميع وليس نزح البئر مغايرا لهذه الثلاث حتى يعطف عليها، وإنما هو تفسير وتقسيم لذلك النزح المبهم وليس هذا من باب عطف البعض على الكل لا يقال إنه أراد بالأول ما يوجب الجميع وبالمعطوف ما يوجب نزح البعض؛ لأنه ذكر بعد ذلك ما يوجب نزح الجميع أيضا فلو كان مراده الجميع لما ذكر ثانيا لكونه تكرارا محضا؛ ولأن الأول لا يجوز أن يحمل على نوع من هذه الأنواع الثلاثة لعدم الأولوية فبقي على إطلاقه إلى هنا كلام الزيلعي رحمه الله وأقول: لا حاجة إلى هذه الإطالة مع إمكان حمل كلامه على وجه صحيح، فإن قوله عشرون معطوف على البئر بمعنى ماء البئر كما تقدم والواو فيه كبقية المعطوفات بمعنى أو والتقدير ينزح ماء البئر كله بوقوع نجس غير حيوان أو ينزح عشرون دلوا من ماء البئر بموت نحو فأرة أو أربعون منه بنحو دجاجة أو كله بنحو شاة إلى آخره وبهذا علم أن قوله وتنزح البئر بوقوع نجس ليس مبهما بل المراد منه نجس غير حيوان اندفع به ما ذكره من لزوم التكرار لو أريد بالأول نزح الجميع، فإنه أريد بالأول نزح الجميع لوقوع غير حيوان وأريد بالثاني نزح الجميع لوقوع حيوان مخصوص فلا تكرار وقوله؛ ولأن الأول لا يجوز أن يحمل إلى آخره سلمناه لكن يمنع قوله فبقي على إطلاقه؛ لأنه لا يلزم من انتفاء جواز حمله على الأنواع الثلاث بقاؤها مطلقا لجواز حمله على نوع رابع غير الثلاثة كما حملناه على النجس الذي ليس حيوانا، وهو ليس واحدا من الأنواع. واعلم أنه لا فرق بين أن تموت الفأرة في البئر أو خارجها وتلقى فيها وكذا سائر الحيوانات إلا الميت الذي تجوز الصلاة عليه كالمسلم المغسول أو الشهيد نعم في خزانة الفتاوى والفأرة اليابسة لا تنجس الماء؛ لأن اليبس دباغة ا هـ. ولا يخفى ضعفه؛ لأنا قدمنا أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر وأن اليبس ليس بدباغة ويدل عليه ما في الذخيرة أن الفأرة الميتة إذا كانت يابسة، وهي في الخابية وجعل في الخابية الزيت فظهرت على رأس الخابية فالزيت نجس ا هـ. ثم اعلم أن الواقع في البئر إما نجاسة أو حيوان وحكم النجاسة قد تقدم في قوله وتنزح البئر بوقوع نجس على ما أسلفناه والحيوان إما آدمي أو غيره وغير الآدمي إما نجس العين أو غيره وغير نجس العين إما مأكول اللحم أو غيره والكل إما إن أخرج حيا أو ميتا والميت إما منتفخ أو غيره فالآدمي إذا خرج حيا ولم يكن في بدنه نجاسة حقيقية أو حكمية، وكان مستنجيا لم يفسد الماء، وإن كان مسلما جنبا أو محدثا فانغمس بنية الغسل أو لطلب الدلو فقد قدم حكمه، وإن كان كافرا روي عن أبي حنيفة أنه ينزح ماؤها؛ لأن بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقة أو حكما، وإن أخرج ميتا، وكان مسلما وقع بعد الغسل لم يفسد الماء وإن كان قبله فسد والكافر يفسد قبل الغسل وبعده وغير الآدمي إن كان نجس العين كالخنزير والكلب على القول بأنه نجس العين نجس البئر مات أو لم يمت أصاب الماء فمه أو لم يصب وعلى القول بأن الكلب ليس بنجس العين لا ينجسه إذا لم يصل فمه إلى الماء، وهو الأصح وقيل دبره منقلب إلى الخارج فلهذا يفسد الماء بخلاف غيره من الحيوانات وأما سائر الحيوانات، فإن علم ببدنه نجاسة تنجس الماء، وإن لم يصل فمه إلى الماء وقيدنا بالعلم؛ لأنهم قالوا في البقر ونحوه يخرج ولا يجب نزح شيء، وإن كان الظاهر اشتمال بولها على أفخاذها لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقب دخولها ماء كثيرا هذا مع أن الأصل الطهارة، وإن لم يعلم ولم يصل فمه إلى الماء فإن كان مما يؤكل لحمه فلا يوجب التجنيس أصلا، وإن كان مما لا يؤكل لحمه من السباع والطيور ففيه اختلاف المشايخ والأصح عدم التجنيس وكذلك في الحمار والبغل والصحيح أنه لا يصير الماء مشكوكا فيه وقيل ينزح ماء البئر كله، وإن وصل لعابه فحكم الماء حكمه فيجب نزح الجميع إذا وصل لعاب البغل أو الحمار إلى الماء كذا في فتاوى قاضي خان وغيرهما لكن في المحيط، ولو وقع سؤر الحمار في الماء يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه؛ لأنه طاهر غير طهور كالماء المستعمل عند محمد ا هـ. وظاهر كلام صاحب الهداية في التجنيس أن معنى قولهم يجب نزح الجميع أنه لا لأجل النجاسة بل؛ لأنه كان غير طهور ولا يجب النزح إذا وقع في البئر ما يكره سؤره ووصل لعابه إلى الماء لكن في فتاوى قاضي خان ينزح منها دلاء عشرة أو أكثر احتياطا وثقة وفي التبيين يستحب نزح الماء كله ولا يخفى ما فيه، وهذا كله إذا خرج حيا فإن مات وانتفخ أو تفسخ فالواجب نزح الجميع في الجميع، وإن لم ينتفخ ولم يتفسخ فالمذكور في ظاهر الرواية أنه على ثلاث مراتب كما دل عليه كلام المصنف والقدوري وصاحب الهداية وغيرهم ففي الفأرة ونحوها عشرون أو ثلاثون وفي الدجاجة ونحوها أربعون أو خمسون أو ستون وفي الشاة ونحوها ينزح ماء البئر كله وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة جعله على خمس مراتب ففي الحلمة واحد الحلم وهي القراد الضخم العظيم والفأرة الصغيرة عشر دلاء وفي الفأرة الكبيرة عشرون وفي الحمامة ثلاثون وفي الدجاجة أربعون وفي الآدمي ماء البئر كله وقد قدمنا مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار فذكر مشايخنا في كتبهم آثارا الأول عن أنس رضي الله عنه أنه قال في الفأرة ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا. الثاني: عن أبي سعيد الخدري أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا قال في الغاية لم يذكر أحد من أهل الحديث فيما علمته حديث أنس، وإنما ذكره أصحابنا في كتب الفقه على عادتهم وفي فتح القدير ذكر مشايخنا ما عن أنس والخدري غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا وقال الشيخ علاء الدين إن الطحاوي رواهما من طرق وتعقبه تلميذه الإمام الزيلعي المخرج بأني لم أجدهما في شرح الآثار للطحاوي ولكنه أخرج عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في البئر فماتت قال ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين. وأجاب عنه المحقق السراج الهندي بأنه يجوز أن يكون الطحاوي ذكرهما في كتاب اختلاف العلماء له أو في أحكام القرآن له أو في كتاب آخر ولا يلزم من عدم الوجدان في الآثار عدم الوجود مطلقا الثالث حديث الزنجي في بئر زمزم وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى. واختلف في تفسير الدلو الوسط فقيل هي الدلو المستعمل في كل بلد وقيل المعتبر في كل بئر دلوها؛ لأن السلف لما أطلقوا انصرف إلى المعتاد واختاره في المحيط والاختيار والهداية وغيرها، وهو ظاهر الرواية؛ لأنه مذكور في الكافي للحاكم وقيل ما يسع صاعا، وهو ثمانية أرطال وقيل عشرة أرطال وقيل غير ذلك والذي يظهر أن البئر إما أن يكون لها دلو أو لا، فإن كان لها دلو اعتبر به، وإلا اتخذ لها دلو يسع صاعا، وهو ظاهر ما في الخلاصة وشرح الطحاوي والسراج الوهاج وحينئذ فينبغي أن يحمل قول من قدر الدلو على ما إذا لم يكن للبئر دلو كما لا يخفى فلو نزح القدر الواجب فيها بحسب دلوها أو دلوهم بدلو واحد كبير أجزأ وحكم بطهارتها، وهو ظاهر المذهب، وكان الحسن بن زياد يقول لا تطهر إلا بنزح الدلاء المقدرة الواجبة؛ لأن عند تكرار النزح ينبع الماء من أسفله ويؤخذ من أعلاه فيكون كالجاري، وهذا لا يحصل بدلو واحد، وإن كان عظيما كذا في البدائع ونقله في التبيين والنهاية عن زفر قلنا قد حصل المقصود، وهو إخراج القدر الواجب واعتبار معنى الجريان ساقط ولهذا لا يشترط التوالي في النزح حتى لو نزح في كل يوم دلو جاز ويتفرع على عدم اشتراط التوالي أنه إذا نزح البعض ثم ازداد في الغد قيل ينزح كله وقيل مقدار البقية هذا مع أن في اشتراط التوالي خلافا نقله في معراج الدراية لكن المختار عدم اشتراطه، وأنه إذا ازداد في اليوم الثاني لا ينزح إلا ما بقي إليه أشار في الخلاصة وأشار المصنف رحمه الله بقوله بموت نحو فأرة إلى أن ما يعادل الفأرة في الجثة حكمه حكمها وأورد عليه سؤالا وجوابا في المستصفى فقال: فإن قيل قد مر أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار والنص ورد في الفأرة والدجاجة والآدمي وقد قيس ما عادلها بها قلنا بعدما استحكم هذا الأصل صار كالذي ثبت على وفق القياس في حق التفريع عليه كما في الإجارة وسائر العقود التي يأبى القياس جوازها ا هـ. ولا يخفى ما فيه، فإنه ظاهر في أن للرأي مدخلا في بعض مسائل الآبار، وليس كذلك فالأولى أن يقال إن هذا إلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس كما اختاره في معراج الدراية. (قوله: وأربعون بنحو حمامة) أي ينزح أربعون دلوا وسطا بموت نحو حمامة وقد تقدم دليله قريبا وقد ذكر المصنف في هذين النوعين القدر الواجب ولم يذكر المستحب ولم يتعرض له الشارح الزيلعي أيضا، والمذكور في غيرهما أن المستحب في نحو الفأرة عشرة وفي نحو الدجاجة اختلف كلام محمد في الأصل والجامع الصغير ففي الأصل ما يفيد أن المستحب عشرون وفي الجامع الصغير عشرة قال في الهداية: وهو الأظهر وعلل له في غاية البيان بأن الجامع الصغير صنف بعد الأصل فأفاد أن الظهور من جهة الرواية لا من جهة الدراية، وقد يقال من جهة الدراية إن الذي يضعف بسبب كبر الحيوان إنما هو الواجب لا المستحب. واعلم أن القدر المستحب المذكور لم يصرح به في ظاهر الرواية، وإنما فهمه بعض المشايخ من عبارة محمد رحمه الله حيث قال ينزح في الفأرة عشرون أو ثلاثون وفي الهرة أربعون أو خمسون فلم يرد به التخيير بل أراد به بيان الواجب والمستحب، وليس هذا الفهم بلازم بل يحتمل أنه إنما قال ذلك لاختلاف الحيوانات في الصغر والكبر، ففي الصغير ينزح الأقل وفي الكبير ينزح الأكثر وقد اختار هذا بعضهم كما نقله في البدائع ولعل هذا هو سبب ترك التعرض للمستحب في الكتاب ثم هذا إذا كان الواقع واحدا فأما إذا تعدد فالفأرتان إذا لم يكونا كهيئة الدجاجة كفأرة واحدة إجماعا وكذا إذا كان كهيئة الدجاجة إلا فيما روي عن محمد أنه ينزح منها أربعون والهرتان كالشاة إجماعا وجعل أبو يوسف الثلاث والأربع كفأرة واحدة والخمسة كالهرة إلى التسع والعشرة كالكلب وقال محمد الثلاث كالهرة والست كالكلب ولم يوجد التصحيح في كثير من الكتب لكن في المبسوط أن ظاهر الرواية أن الثلاث كالهرة فيفيد أن الست كالكلب وبه يترجح قول محمد وما كان بين الفأرة والهرة فحكمه حكم الفأرة وما كان بين الهرة والكلب فحكمه حكم الهرة وهكذا يكون حكم الأصغر والهرة مع الفأرة كالهرة ويدخل الأقل في الأكثر كذا في التجنيس وغيره وظاهره يخالف قول من قال إن الفأرة إذا كانت هاربة من الهرة فوقعت في البئر وماتت ينزح جميع الماء؛ لأنها تبول غالبا على هذا القول يجب نزح الجميع في الهرة مع الفأرة؛ لأنها تبول خوفا وقد جزم به جماعة لكن قال في المجتبى بخلافه وعليه الفتوى ا هـ. ولعل وجهه أن في ثبوت كونها بالت شكا فلا يثبت بالشك. (قوله: وكله بنحو شاة) أي ينزح ماء البئر كله بموت ما عادل الشاة في الجثة كالآدمي والكلب طاهرا كان أو نجسا؛ لأن ابن عباس وابن الزبير أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم كما رواه ابن ابن سيرين وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وأبو الطفيل أما رواية ابن سيرين فأخرجها الدارقطني في سننه بإسناده عن محمد بن سيرين أن زنجيا مات في زمزم فأمر به ابن عباس فأخرج وأمر بها أن تنزح قال فغلبتهم عين جاءت من الركن قال فأمر بها فسدت بالقباطي والمطارف حتى نزحوها فلما نزحوها انفجرت عليهم والقباطي جمع قبطية، وهو ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء وكأنه منسوب إلى القبط وهم أهل مصر والمطارف أردية من خز مربعة لها أعلام مفردها مطرف بكسر الميم وضمها ، وأما رواية عطاء فرواها ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الآثار أن حبشيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم، وأما رواية عمرو بن دينار فرواها البيهقي والآمر فيها بالنزح ابن عباس، وأما رواية قتادة فرواها ابن أبي شيبة في مصنفه والآمر ابن عباس، وأما رواية أبي الطفيل فرواها البيهقي والآمر ابن عباس، فإن قالوا رواية ابن سيرين مرسلة؛ لأنه لم يلق ابن عباس بل سمعها من عكرمة وكذا قتادة لم يلق ابن عباس، وأما رواية ابن دينار ففيها ابن لهيعة ولا يحتج به، وأما رواية أبي طفيل ففيها جابر الجعفي ولا يحتج به وأما عطاء فهو، وإن سمع من ابن الزبير بلا خلاف لكن وجد ما يضعف روايته، وهو ما رواه البيهقي عن سفيان بن عيينة أنه قال أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا إنه وقع في بئر زمزم ولا سمعت أحدا يقول نزحت زمزم ثم أسند عن الشافعي أنه قال لا يعرف هذا عن ابن عباس وكيف يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجسه شيء» ويتركه، وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء أو نزحها للتنظيف لا للنجاسة، فإن زمزم للشرب فالجواب أن ابن سيرين لما أرسل عن ابن عباس، وكان الواسطة بينهما ثقة، وهو عكرمة كان الحديث صحيحا محتجا به وفي التمهيد لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين عندهم حجة صحاح كمراسيل سعيد بن المسيب، وأما الجعفي فقد وثقه الثوري وشعبة واحتمله الناس ورووا عنه ولم يختلف أحد في الرواية عنه ورواه الطحاوي عنه أيضا، وأما ابن لهيعة قال ابن عدي هو حسن الحديث يكتب حديثه وقد حدث عنه الثقات الثوري وشعبة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد وأما عدم علم سفيان والشافعي فلا يصلح دليلا في دين الله تعالى والإثبات مقدم على النفي، فإن لم يعرفا فقد عرف غيرهما ممن ذكرناه من الأعلام الأئمة وإثباتهم مقدم على نفي غيرهم مع أن بينهما وبين ذلك الوقت قريبا من مائة وخمسين سنة، وأما رواية ابن عباس: «الماء لا ينجسه شيء» فيجوز أن يكون وقع عنده دليل أوجب تخصيصه، فإن روايته كعلم المخالف به فكما قال الشافعي رحمه الله بتنجيس ما دون القلتين بدون تغير لدليل آخر وقع عنده أوجب تخصيص هذا الحديث لا يستبعد مثله لابن عباس، وأما تجويز كون النزح لنجاسة ظهرت أو للتنظيف فمخالف لظاهر الكلام؛ لأن الظاهر من قول القائل مات فأمر بنزحها أنه للموت لا لنجاسة أخرى كقولهم زنى فرجم وسها فسجد وسرق فقطع على أن عندهم لا ينزح أيضا للنجاسة، ولو كان للتنظيف لم يأمر بنزحها ولم يبالغوا هذه المبالغة العظيمة من سد العين وقول النووي كيف يصل هذا الخبر إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة وسفيان بن عيينة كبير أهل مكة استبعاد بعد وضوح الطريق ومعارض بأن جمهور الصحابة كعلي وأصحابه وابن مسعود وأصحابه وأبي موسى الأشعري وأصحابه وابن عباس وجماعة من أصحابه وسلمان الفارسي وعامة أصحابه والتابعين انتقلوا إلى الكوفة والبصرة ولم يبق بمكة إلا القليل وانتشروا في البلاد للجهاد والولايات وسمع الناس منهم وانتشر العلم في جميع البلاد الإسلامية منهم حتى قال العجلي في تاريخه نزل الكوفة ألف وخمسمائة من الصحابة ونزل قرقيسياء ست مائة فيجوز أن يعرف أهل الكوفة أكثر من أهل مكة ولا ينكر هذا إلا مكابر وما ذكره أيضا مخالف لقول إمامه فقد حكى ابن عساكر عن الشافعي أنه قال لأحمد أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا فهلا قال كيف يصل إلى أهل الكوفة والبصرة والشام ويجهله أهل مكة والمدينة مع أن الغالب أن البئر إذا نزحت لا يحضرها أهل البلد ولا أكثرهم، وإنما يحضر من له بصارة أو من يستعان به. (قوله: وانتفاخ حيوان أو تفسخه) أي ينزح ماء البئر كله لأجل انتفاخ الحيوان الواقع فيها أو تفسخه مطلقا صغر الحيوان أو كبر كالفأرة والآدمي والفيل لانتشار البلة في أجزاء الماء؛ لأن عند انتفاخه تنفصل بلته، وهي نجسة مائعة فصارت كقطرة من خمر؛ ولهذا لو وقع ذنب فأرة ينزح الماء كله؛ لأن موضع القطع منه لا ينفك عن نجاسة بخلاف ما لو أخرجت قبل الانتفاخ؛ لأن شيئا من أجزائها لم يبق في الماء بعد إخراجها والانتفاخ أن تتلاشى أعضاؤه والتفسخ أن تتفرق عضوا عضوا وكذا إذا تمعط شعره فهو كالمنتفخ قال في السراج الوهاج، فإن جعل موضع القطع شمعة لم يجب إلا ما يجب في الفأرة ا هـ. فروع لا يفيد النزح قبل إخراج الواقع؛ لأنه سبب النجاسة ومع بقائها لا يمكن الحكم بالطهارة إلا إذا تعذر إخراجه وكان متنجسا كما قدمناه، وإذا لم يوجد في البئر القدر الواجب نزح ما فيها فإذا جاء الماء بعده لا ينزح منه شيء، ولو غار الماء قبل النزح ثم عاد يعود نجسا؛ لأنه لم يوجد المطهر، وإن صلى رجل في قعرها، وقد جفت تجزئه كذا في التجنيس لكن اختار في فتح القدير أنه لا يعود نجسا وصرح في باب الأنجاس بأن فيه روايتين كنظائره والأصح عدم العود؛ لأنه بمنزلة النزح كذا في المعراج وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى لكن إنما يكون الأصح عدم العود فيما إذا جف أسفله أما إذا غار ولم يجف أسفله فالأصح العود كما أفاده السراج الوهاج، وإذا طهرت البئر يطهر الدلو والرشا والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي؛ لأن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج كدن الخمر يطهر تبعا إذا صار خلا وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل وكعروة الإبريق إذا كان في يده نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد ولو سال النجس على الآجر ثم وصل إلى الماء فنزحها طهارة للكل، وقيل الدلو طاهر في حق هذه البئر لا غيرها كدم الشهيد طاهر في حق نفسه ولا يجب نزح الطين في شيء من الصور لأن الآثار إنما وردت بنزح الماء وفي المجتبى وكلما نزح من البئر شيء طهر من الدلو بقدره وليتأمل فيه وفي فتاوى قاضي خان ولا يطين المسجد بطين البئر التي نزحت احتياطا ثم نجاسة البئر بعد إخراج الفأرة وغيرها غليظة ثم بقدر ما ينزح تخف فلو صب الدلو الأول من بئر وجب فيها نزح عشرين في بئر طاهرة ينزح من الثانية عشرون، ولو صب الثاني تسعة عشر وكذا الثالث على هذا، ولو صب الدلو الأخير ينزح دلو مثله والأصل في هذا أن البئر الثانية تطهر بما تطهر به الأولى، ولو أخرجت الفأرة وألقيت في بئر طاهرة وصب أيضا فيها عشرون من الأولى يجب إخراج الفأرة ونزح عشرين دلوا؛ لأن الأولى تطهر به فكذا الثانية، ولو صب الدلو العاشرة في بئر طاهرة ينزح منها عشر دلاء وفي رواية أبي سليمان وفي رواية أبي حفص إحدى عشرة، وهو الأصح قال الإسبيجابي ووفق بين الروايتين فالأولى سوى المصبوب والثانية مع المصبوب فلا خلاف ولو صب ماء بئر نجسة في بئر أخرى، وهي نجسة أيضا ينظر بين المصبوب وبين الواجب فيها فأيهما كان أكثر أغنى عن الأقل، فإن استويا فنزح أحدهما يكفي مثاله بئران ماتت في كل منهما فأرة فنزح من إحداهما عشرة مثلا وصب في الأخرى ينزح عشرون، ولو صب دلو واحد، فكذلك، ولو ماتت فأرة في بئر ثالثة فصب من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشرة ينزح ثلاثون، ولو صب فيها من كل عشرون نزح أربعون وينبغي أن ينزح المصبوب ثم الواجب فيها على رواية أبي حفص، ولو نزح دلو من الأربعين وصب في العشرين ينزح الأربعون؛ لأنه لو صب في بئر طاهرة كذلك فكذا هذا، وهذا كله قول محمد وعن أبي يوسف روايتان في رواية ينزح جميع الماء وفي رواية ينزح الواجب والمصبوب جميعا فقيل له إن محمدا روى عنك الأكثر فأنكر وكذا قال أبو يوسف في بئرين وقع في كل واحد منهما سنور فنزح من إحداهما لو صب في الأخرى ينزح ماؤها كله على الرواية الأولى؛ لأن الدلو الذي نزح أخذ حكم النجاسة؛ ولهذا لو أصاب الثوب نجسه ويجب غسله، فصار كما إذا وقع في البئر نجاسة أخرى واقتصر على هذه الرواية في التجنيس ودفعه في فتح القدير بأن هذا إنما يظهر وجهه في المسألة السابقة، وهي ما إذا كان المصبوب فيها طاهرة أما إذا كانت نجسة فلا؛ لأن أثر نجاسة هذا الدلو إنما يظهر فيما إذا ورد على طاهر وقد ورد هنا على نجس فلا يظهر أثر نجاسته فتبقى الموردة على ما كانت، فتطهر بإخراج القدر الواجب وجه دفعه عن المسألة السابقة ما في المبسوط من أنا نتيقن أنه ليس في هذا البئر إلا نجاسة فأرة ونجاسة فأرة يطهرها عشرون دلوا ا هـ وفي المحيط معزيا إلى النوادر فإن ماتت في حب فأريق الماء في البئر قال محمد ينزح الأكثر من المصبوبة ومن عشرين دلوا، وهو الأصح؛ لأن الفأرة لو وقعت فيها ينزح عشرون فكذا إذا صب فيها ما وقع فيه إلا إذا زاد المصبوب على ذلك فتنزح الزيادة مع العشرين وقال أبو يوسف: ينزح المصبوب وعشرون دلوا؛ لأنه يصير بمنزلة ما لو وقعت الفأرتان في البئر يجب نزحهما ونزح عشرين دلوا كذا هذا، وفي الكافي والمستصفى والبدائع أن الفأرة إذا وقعت في الحب بالحاء المهملة يهراق الماء كله ولم يعلله له ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض مخصوص بالآبار ثبت بالآثار على خلاف القياس فلا يلحق به غيره فعلى هذا إذا وقعت الفأرة في الصهريج أو الفسقية ولم يكونا عشرا في عشر، فإن الماء كله يهراق كما لا يخفى ولا يحكم بطهارة البئر ما لم ينفصل الدلو الأخير عن رأس البئر عندهما؛ لأن حكم الدلو حكم المتصل بالماء والبئر وعند محمد يطهر بالانفصال عن الماء ولا اعتبار بما يتقاطر للضرورة وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا انفصل الدلو الأخير عن الماء، ولم ينفصل عن رأس البئر واستقى من مائها رجل ثم أعاد الدلو فعندهما الماء المأخوذ قبل العود نجس، وعنده طاهر كذا في التبيين وظاهره أن عود الدلو قيد وليس كذلك بل الماء المأخوذ قبل الانفصال عن رأس البئر نجس عندهما مطلقا عاد الدلو أو لا ولهذا لم يذكر هذا القيد في فتح القدير ومعراج الدراية والمحيط وكثير من الكتب فكان زائدا وفي البدائع لم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي حنيفة وإنما ذكره الحاكم وفي التجنيس إذا نزح الماء النجس من البئر يكره أن يبل به الطين ولا يطين به المسجد أو أرضه لنجاسته بخلاف السرقين إذا جعله في الطين؛ لأن في ذلك ضرورة؛ لأنه لا يتهيأ إلا بذلك ا هـ. والبعد بين البالوعة والبئر المانع من وصول النجاسة إلى البئر خمسة أذرع في رواية أبي سليمان وسبعة في رواية أبي حفص وقال الحلواني: المعتبر الطعم أو اللون أو الريح، فإن لم يتغير جاز وإلا فلا، ولو كان عشرة أذرع قال في الخلاصة: وفتاوى قاضي خان والتعويل عليه وصححه في المحيط، وإن ماتت الفأرة في غير الماء، فإن كان مائعا تنجس جميعه وجاز استعماله في غير الأبدان كذا قالوا وينبغي أن لا يستصبح به في المساجد لكونه ممنوعا عن إدخال النجاسة المسجد ويجوز بيعه وللمشتري الخيار إن لم يعلم به، وإن كان جامدا ألقيت الفأرة وما حولها، وكان الباقي طاهرا، وجاز الانتفاع بما حولها في غير الأبدان، وفي المبسوط وحد الجمود والذوب أنه إذا كان بحال لو قور ذلك الموضع لا يستوي من ساعته فهو جامد، وإن كان يستوي من ساعته فهو ذائب وذكر الإسبيجابي أن الجلد إذا دبغ بذلك السمن يغسل الجلد بالماء ويطهر والتشرب فيه معفو عنه ولمن اشتراه الخيار إن لم يعلم به وفي السراج الوهاج، وإن ماتت الفأرة في الخمر فصار خلا قال بعضهم: الخل مباح وقيل لا يحل شربه وقيل إذا لم تتفسخ فيه جاز، وإن تفسخت لم يجز ؛ لأنه قد صار فيه جزء منها، وهذا القول أحسن وهذا إذا استخرجت منه قبل أن يصير خلا أما إذا صار خلا والفأرة فيه لا يحل شربه سواء كانت متفسخة أو لا؛ لأنه نجس ا هـ. وفي المحيط والتجنيس بالوعة حفروها وجعلوها بئر ماء، فإن حفروها مقدار ما وصلت إليه النجاسة فالماء طاهر وجوانبها نجسة، وإن حفروها أوسع من الأول طهر الماء والبئر كله ا هـ. وذكر الولوالجي، ولو نزح ماء بئر رجل بغير إذنه حتى يبست لا شيء عليه؛ لأن صاحب البئر غير مالك للماء، ولو صب ماء رجل كان في الحب يقال له املأ الإناء؛ لأن صاحب الحب مالك للماء، وهو من ذوات الأمثال فيضمن مثله وفي الخلاصة والإوز كالدجاج إن كان صغيرا، وإن كان كبيرا فهو كالجمل العظيم ينزح كل الماء وفي فتح القدير، ولو تنجست بئر فأجرى ماؤها بأن حفر منفذ فصار الماء يخرج منه حتى خرج بعضه طهرت لوجود سبب الطهارة، وهو جريان الماء وصار كالحوض إذا تنجس فأجرى فيه الماء حتى خرج بعضه وقد ذكرناه ا هـ. (قوله: ومائتان لو لم يمكن نزحها) أي ينزح مائتا دلو إن كانت البئر معينة لا يمكن نزحها بسبب أنهم كلما نزحوا نبع من أسفله مثل ما نزحوا أو أكثر، وقد اختلفت الروايات فيها فما في الكتاب مروي عن محمد قالوا إنما أفتى به بناء على ما شاهد في بغداد؛ لأن الغالب ماء آبارها كان لا يزيد على ثلثمائة وروي عن أبي حنيفة التقدير بمائة دلو قالوا أفتى بذلك بناء على قلة المياه في آبار الكوفة وفي الهداية وعن أبي حنيفة في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه في مثله. ا هـ. وإنما لم يقدرها؛ لأنها متفاوتة والنزح إلى أن يظهر العجز أمر صحيح في الشرع لأن الطاعة بحسب الطاقة وقيل على قول أبي حنيفة يجب قدر ما يغلب على ظنهم أنه جميع الماء عند ابتداء النزح والأصح تفسير الغلبة بالعجز كذا ذكر قاضي خان وعن أبي يوسف وجهان أحدهما أن تحفر حفيرة عمقها ودورها مثل موضع الماء منها وتجصص على قول بعض المشايخ ويصب فيها فإذا امتلأت فقد نزح ماؤها. والثاني: أن ترسل قصبة في الماء ويجعل علامة لمبلغ الماء ثم ينزح عشر دلاء مثلا ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص فإن انتقض العشر فهو مائة قالوا ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا كان دور البئر من أول حد الماء إلى قعر البئر متساويا، وإلا لا يلزم إذا نقص شبر بنزح عشر من أعلى الماء أن ينقص شبر بنزح مثله من أسفله وعن أبي نصر محمد بن سلام أنه يؤتى برجلين لهما بصارة بأمر الماء فإذا قدراه بشيء وجب نزح ذلك القدر، وهو الأصح والأشبه بالفقه وفي معراج الدراية أنه المختار لكونهما نصاب الشهادة الملزمة واشتراط المعرفة لهما بالماء باعتبار أن الأحكام إنما تستفاد ممن له علم أصله قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وظاهر ما في النقاية الاكتفاء بواحد لأنه أمر ديني فيكتفى بالواحد لكن أكثر الكتب على الاثنين وقد صحح هذا القول جماعة واختاروه وصحح الإمام حسام الدين في شرح الجامع الصغير اعتبار الغلبة، وهي العجز وذكر أن الفتوى على أنه يفوض إلى رأي المبتلى به وفي الخلاصة أن الفتوى على أنه ينزح ثلثمائة وكذا في معراج الدراية معزيا إلى فتاوى العتابي أن المختار ما عن محمد فالحاصل أنه قد اختلف التصحيح في المسألة واختلفت الفتوى فيها والإفتاء بما عن محمد أسهل على الناس والعمل بما عن أبي نصر أحوط ولهذا قال في الاختيار وما روي عن محمد أيسر على الناس لكن لا يخفى ضعفه، فإنه إذا كان الحكم الشرعي نزح جميع الماء للحكم بنجاسته فالقول بطهارة البئر بالاقتصار على نزح عدد مخصوص من الدلاء يتوقف على سمعي يفيده وأين ذلك بل المأثور عن ابن عباس وابن الزبير خلافه واختار بعض المتأخرين أن الأظهر إن أمكن سد منابع الماء من غير عسر سدت وأخرج ما فيها من الماء، وإن عسر ذلك، فإن علم أن كون محل الماء منها على منوال واحد طولا وعرضا في سائر أجزائه أرسل في الماء قصبة وعمل في ذلك بما قدمناه، وإن لم يقع العلم بذلك، فإن أمكن العمل بمقداره من عدلين لهما بصارة بمياه الآبار أخذ بقولهما، وإن تعذر العلم بمقدار الماء من عدلين بصيرين بذلك نزحوا حتى يظهر لهم العجز بحسب غلبة ظنهم. ا هـ. وهذا تفصيل حسن للمتأمل فليكن العمل عليه. (قوله: ونجسها منذ ثلاث فأرة منتفخة جهل وقت وقوعها، وإلا مذ يوم وليلة) أي نجس البئر منذ ثلاثة أيام بلياليها فأرة ميتة منتفخة لا يدرى وقت وقوعها، وإن لم تكن منتفخة نجسها مذ يوم وليلة قال المصنف في المستصفى أي مذ ثلاث ليال إذ لو أريد به الأيام لقال مذ ثلاثة لكن الليالي تنتظم ما بإزائها من الأيام كما أن الأيام تنتظم ما بإزائها من الليالي كقوله تعالى: {أربعة أشهر وعشرا} أي وعشر ليال بأيامها ا هـ. فعلم أنه لا حاجة إلى ما ذكره الزيلعي هنا اعلم أن البئر تنجس من وقت وقوع الحيوان الذي وجد ميتا فيها إن علم ذلك الوقت، وإن لم يعلم فقد صار الماء مشكوكا في طهارته ونجاسته فإذا توضئوا منها وهم متوضئون أو غسلوا ثيابهم من غير نجاسة، فإنهم لا يعيدون إجماعا؛ لأن الطهارة لا تبطل بالشك، وإن توضئوا منها وهم محدثون أو اغتسلوا من جنابة أو غسلوا ثيابهم عن نجاسة ففي الثالث لا يعيدون، وإنما يلزمهم غسلها على الصحيح ويحكم بنجاستها في الحال من غير إسناد لأنه من باب وجود النجاسة في الثوب ومن وجد في ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يدر متى أصابته لا يعيد شيئا من صلاته بالاتفاق، وهو الصحيح كذا في المحيط والتبيين وتعقبه شارح منية المصلي بأنه إذا كان يلزمهم غسلها لكونها مغسولة بماء البئر فيما تقدم حال العلم باشتمال البئر على الفأرة بدون يوم وليلة أو بدون ثلاثة أيام كيف يكون الحكم بنجاسة الثياب من باب الاقتصار على التنجس في الحال لا مستندا إلى ما تقدم فلا يتجه هذا على قوله؛ لأنه يوجب مع الغسل الإعادة لا على قولهما لأنهما لا يوجبان غسل الثوب أصلا ا هـ. وفي الأول والثاني خلاف فعند أبي حنيفة التفصيل المذكور في الكتاب وقالا يحكم بنجاستها وقت العلم بها ولا يلزمهم إعادة شيء من الصلوات ولا غسل ما أصابه ماؤها قبل العلم، وهو القياس؛ لأن اليقين لا يزول بالشك؛ لأنا نتيقن بطهارتها فيما مضى وقد شك في النجاسة لاحتمال أنها ماتت في غير البئر ثم ألقتها الريح العاصف فيها أو بعض السفهاء أو الصبيان أو بعض الطيور كما حكي عن أبي يوسف أنه كان يقول بقوله إلى أن رأى حدأة في منقارها فأرة ميتة فألقتها في البئر فرجع عن قوله إلى هذا القول وقياسا على النجاسة إذا وجدها في ثوبه وعلى ما إذا رأت المرأة في كرسفها دما ولا تدري متى نزل وعلى ما لو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت أسلمت قبل موته وقالت الورثة بعده فالقول لهم والجامع بينهما أن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته ولأبي حنيفة، وهو الاستحسان أن الإحالة على السبب الظاهر واجب عند خفاء المسبب والكون في الماء قد تحقق، وهو سبب ظاهر للموت والموت فيه في نفس الأمر قد خفي فيجب اعتباره مات فيه إحالة على السبب الظاهر عند خفاء المسبب دون الموهوم، وهو الموت بسبب آخر كمن جرح إنسانا ولم يزل مصاحب الفراش حتى مات يضاف موته إلى الجرح حتى يجب القصاص، وإن احتمل موته بسبب آخر وكذا إذا وجد قتيل في محلة يضاف القتل إلى أهلها حتى تجب القسامة والدية عليهم وإن احتمل أنه قتل في موضع آخر غير أن الانتفاخ دليل التقادم فيقدر بالثلاث ولهذا يصلى على القبر إلى ثلاث أيام على ما قيل وعدم الانتفاخ دليل قرب العهد فقدرناه بيوم وليلة لأن ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها لتفاوتها، وأما مسألة النجاسة فقد قال المعلى بن منصور الرازي تلميذهما أنها على الخلاف، فإن كانت يابسة يعيد صلاة ثلاثة أيام، وإن كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة عنده فلا يحتاج إلى الفرق، ولو سلم أنها على الوفاق كما قدمنا أنه الأصح فالفرق له واضح، وهو أن الثوب بمرأى عينه يقع عليه بصره فلو كانت النجاسة أصابته قبل ذلك لعلم بها بخلاف البئر فإنها غائبة عن بصره فلا يصح القياس وما ذكره المعلى رحمه الله كونه رواية عن الإمام، وهو ظاهر ما ذكره القاضي الإسبيجابي وصاحب البدائع ويحتمل أنه تفقه منه بطريق القياس على مسألة البئر، وهو ظاهر ما في المحيط، وهو الحق فقد قال الحاكم الشهيد إن المعلى قال ذلك من دأب نفسه وأما مسألة الميراث فالمرأة محتاجة إلى الاستحقاق والظاهر لا يصلح حجة لها وإنما يصلح للدفع والورثة هم الدافعون وفي المجتبى وحكم ما عجن به حكم الوضوء والغسل، وكان الصباغي يفتي بقول أبي حنيفة فيما تعلق بالصلاة وبقولهما فيما سواه كذا في معراج الدراية وفي غاية البيان وما قاله أبو حنيفة احتياط في أمر العبادة وما قالاه عمل باليقين ورفق بالناس وفي تصحيح الشيخ قاسم رحمه الله وفي فتاوى العتابي المختار قولهما قلت هو المخالف لعامة الكتب فقد رجح دليله في كثير من الكتب وقالوا إنه الاحتياط فكان العمل عليه وذكر الإسبيجابي أن ما عجن به قال بعضهم يلقى إلى الكلاب وقال بعضهم يعلف المواشي وقال بعضهم يباع من شافعي المذهب أو داودي المذهب ا هـ. واختار الأول في البدائع وجزم به بصيغة قال مشايخنا يطعم للكلاب. فروع ذكر ابن رستم في نوادره عن أبي حنيفة من وجد في ثوبه منيا أعاد من آخر ما احتلم، وإن كان دما لا يعيد؛ لأن دم غيره قد يصيبه والظاهر أن الإصابة لم تتقدم زمان وجوده فأما مني غيره لا يصيب ثوبه فالظاهر أنه منيه فيعتبر وجوده من وقت وجود سبب خروجه حتى إن الثوب لو كان مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم الدم والمني ومشايخنا قالوا في البول يعتبر من آخر ما بال وفي الدم من آخر ما رعف وفي المني من آخر ما احتلم أو جامع كذا في البدائع ومراده بالاحتلام النوم؛ لأنه سببه بدليل ما نقله في المحيط عن ابن رستم أنه يعيد من آخر نومة نامها فيه واختار في المحيط أنه لا يعيد شيئا لو رأى دما، ولو فتق جبة فوجد فيها فأرة ميتة ولم يعلم متى دخل فيها، فإن لم يكن للجبة ثقب يعيد الصلاة من يوم ندف القطن فيها، وإن كان فيه ثقب يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها عند أبي حنيفة كما في البئر كذا في التجنيس والمحيط وفي الذخيرة ولا بأس برش الماء النجس في الطريق ولا يسقى للبهائم وفي خزانة الفتاوى لا بأس بأن يسقى الماء النجس للبقر والإبل والغنم وحيث وجبت الإعادة على قوله فالمعاد الصلوات الخمس والوتر وسنة الفجر كذا في شرح منية المصلي. (قوله: والعرق كالسؤر) لما فرغ من بيان فساد الماء وعدمه باعتبار وقوع نفس الحيوانات فيه ذكرهما باعتبار ما يتولد منها والسؤر مهموز العين بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض ثم استعير لبقية الطعام وغيره والجمع الأسآر والفعل أسأر أي أبقى مما شرب أي عرق كل شيء معتبر بسؤره طهارة ونجاسة وكراهة؛ لأن السؤر مختلط باللعاب، وهو والعرق متولدان من اللحم إذ كل واحد منهما رطوبة به متحللة من اللحم فأخذا حكمه ولا ينتقض بعرق الحمار، فإنه طاهر مع أن سؤره مشكوك فيه؛ لأنا نقول خص بركوبه صلى الله عليه وسلم الحمار معروريا والحر حر الحجاز والثقل ثقل النبوة فلا بد أن يعرق الحمار قال في المغرب فرس عري لا سرج عليه ولا لبد وجمعه أعراء ولا يقال فرس عريان كما لا يقال رجل عري وأعرورى الدابة ركبه عريا ومنه: «كان عليه السلام يركب الحمار معروريا»، وهو حال من ضمير الفاعل المستكن، ولو كان من المفعول لقيل معروري ا هـ. أو؛ لأنه لا فرق بين عرقه وسؤره، فإن سؤره طاهر على الأصح والشك إنما هو في طهوريته وقد ذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير ثلاث روايات في لعابه وعرقه إذا أصاب الثوب أو البدن في رواية مقدر بالدرهم وفي رواية بالكثير الفاحش وفي رواية لا يمنع وإن فحش وعليه الاعتماد وذكر شمس الأئمة الحلواني أن عرقه نجس لكن عفي عنه للضرورة فعلى هذا لو وقع في الماء القليل يفسده وهكذا روي عن أبي يوسف ا هـ. وذكر الولوالجي رحمه الله أن عرق الحمار والبغل إذا أصاب الثوب لا يفسده، ولو وقع في الماء أفسده يعني به لم يبق طهورا؛ لأن عرقهما إذا وقع في الماء صار الماء مشكلا كما في لعابهما والماء المشكل طاهر لكن كونه طهورا مشكل فلا يزول الحدث الثابت بيقين بالشك ا هـ. وهكذا في التجنيس واعلم أن تفسير الفساد بعدم الطهورية فيه نظر؛ لأنه إذا كان كل من العرق واللعاب طاهرا كيف يخرج الماء به عن الطهورية مع أنه فرض قليل والماء غالب عليه فلعل الأشبه ما ذكره قاضي خان في تفسير قول شمس الأئمة أنه نجس وعفي عنه في الثوب والبدن للضرورة في الماء كما لا يخفى فالحاصل أنه لا فرق بين العرق والسؤر على ما هو المعتمد من أن كلا منهما طاهر، وإذا أصاب الثوب أو البدن لا ينجسه، وإذا وقع في الماء صار مشكلا ولهذا قال في المستصفى ظاهر المذهب أن العرق واللعاب مشكوك فيها ا هـ. فظهر بهذا كله أن قولهم إن العرق كالسؤر على إطلاقه من غير استثناء وظهر به أيضا أن ما نقله الأتقاني في شرح البزدوي من الإجماع على طهارة عرقه فليس مما ينبغي وكأنه بناه على أنها هي التي استقر عليها الحال.
|